أذربيجان: معجزة القوقاز الصاعدة

  • سعيد بن مسعود المعشني

منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، استطاعت أذربيجان أن ترسم لنفسها مسارًا مغايرًا في محيط مضطرب. فقد تحوّلت هذه الدولة الصغيرة، الواقعة في قلب القوقاز، إلى قصة نجاح لافتة، خصوصًا في تجربتها العمرانية والتنموية، التي جعلت من عاصمتها باكو واحدة من أكثر العواصم الآسيوية تطورًا، بل وتتفوق على كثير من المدن الأوروبية في جودة خدماتها وتخطيطها المدني.
زائر باكو لا يمكنه إلا أن يُدهش؛ فهذه المدينة تجمع بين الحداثة والتاريخ، وتقدم نموذجًا لمدينة رسمت بعناية، وكأن فنانًا مبدعًا أُعطي مطلق الحرية ليرسم مدينة أحلام، دون أن يقيّده أحد، أو تحاسبه لجنة، أو توقفه وزارة غارقة في البيروقراطية.
مدينة تتسع للحياة، وتمنح ساكنها وزائرها شعورًا بالراحة والانبهار في آن.
غير أن المدن لا تُبنى بالحجر وحده؛ فالإنسان هو جوهر أي تجربة ناجحة. وشعب أذربيجان جدير بالاحترام والتقدير. هو شعب مضياف، متسامح، متمسك بجوهر الإسلام القائم على الأخلاق وحسن التعامل، رغم تنوع انتماءاته العرقية والمذهبية. وهو في الوقت ذاته شعب يعرف معنى الكرامة، ويعتز بتاريخه، ويواجه التحديات بثبات.
لقد خاضت أذربيجان حربين؛ خسرت الأولى، لكنها عادت لتنتصر في الثانية، واستعادت جزءًا من أراضيها المحتلة، ولا تزال تنتظر تحرير ما تبقى. كما أنها فقدت إقليمًا لصالح جورجيا، دون أن تتوقف عن البناء أو تنكفئ على ذاتها. فالتنمية في هذا البلد لم تتوقف، رغم أن كل الظروف كانت تبرر لها التأجيل أو التراجع.
إن التجربة الأذربيجانية تُظهر أن الإرادة السياسية، حين تقترن بالكفاءة والصدق في العمل قادرة على إحداث التغيير الحقيقي. وهي أيضًا تفتح سؤالًا شائكًا في منطقتنا: هل يمكن لـ”الدكتاتور المستنير” أن يكون حلا وحيدا للحكم في بعض الثقافات؟ أراه كذلك، بشرط أن يكون مستنيرًا بحق، وأن يحكم بعقل لا بهوى، وبرؤية لا بشهوة سلطة.
أذربيجان، في النهاية، ليست فقط قصة تنمية، بل رسالة مفادها أن لا شيء مستحيل حين يكون الإنسان في قلب المشروع، لا على هامشه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى