الجين الأناني

حنان بديع
حنان بديع

بقلم / حنان بديع *

  • كاتبة وشاعرة لبنانية مقيمة بدولة قطر

اذا كان الجين الأناني الذي يمتلك خاصية الأنانية حسب كتاب عالم الأحياء التطوري الشهير ريتشارد دوكينغز يحاول أن يتصرف بشكل أناني حين يحاول جاهدا البقاء والاستمرار على حساب الجينات الأخرى حوله ، والتي ربما تتنافس معه على نفس الأمر ، هذه الاستراتيجية السلوكية تساعد الكائنات على البقاء البيولوجي، لكن هل يمكن لهذه الاستراتيجية (الأنانية) أن تكون وراء بقاء واستمرارية ونجاح وانتصار الشخصيات الأنانية في المجتمع؟ إنها الهوة الشاسعة بين ما تعلمناه من أخلاقيات كالصدق والأمانة والتفاني والعطاء والتضحية والإيثار وبين صعوبة تطبيقها على أرض الحب والحياة ..أما كيف؟فإن الشخصيات التي تتمتع أو تطبق هذه المبادئ الأخلاقية في المجتمع تبدو كطرف خاسر ومغبون، فالاستمرارية والبقاء والسعادة والتوفيق للشخصيات الأنانية لأنها تأخذ ولا تعطي، لأنها تضع في أولوياتها مصالحها الشخصية قبل الآخرين ..الإنسان الذي يتمسك بمبادئ العطاء والايثار والتضحية، إنما يفعل لأن توقعاته تخونه غالباً فهو حتماً يتوقع التقدير والإهتمام والعطاء والحب المتباد ، لكن في الأغلب يكتشف لاحقاً أن ما يفعل ليس إلا حقاً مكتسباُ للآخرين،، والتقصير فيه أصبح يبدو جريمة !!!أقول هذا ولا أنسى أو أتناسى الأمومة والأبوة التي تختصر بطاقتها قيمة العطاء والتضحية، لكن الأب أو ألأم أيضا يمارسون النشاط الايثاري من خلال العناية بأولادهم و (أولادهم فقط) ذلك لأن أبنائنا نسخة منا تماما كما يفعل الجين الأناني بداخلنا حين يعرف أن كائنا آخر يحمل نسخاً منه فيؤاثره على نفسة ليحافظ على نفسة،، وإلا ما الذي يفسر بكاء الأم على وليدها حين يولد ميتا وهي لم تراه أو تعرفه بعد؟ لكن جيناتنا الأنانية لا تمتلك وعياً أو قدرة على التبصر، هي تمارس دورها كما أراد لها الخالق.. وفي حالة البشر الذين يمتلكون القدرة على التبصر الواعي فإنه بإمكاننا استخدام هذه القدرة في التغلب على الأنانية فينا، فنخلق نوعاً جديداً من الإيثار الذي لا يوجد أصلاً في الطبيعة ..هؤلاء المتغلبين على أنانيتهم هم قلة يعيشون على كوكبنا ويجعلون من الحياة سيمفونية مقبولة وجميلة لكن حتماً على حسابهم الشخصي ..إنهم لا يأخذون الكثير سوى الشعور بالرضى ومتعة العطاء ..متعة العطاء يا سادة،، نعم هو مصطلح لم يجربه أغلبنا حين لا يعطي إلا بقدر ما يأخذ فقط .. هذا إن فعل. ولا يخطر لنا أن في العطاء متعة قد تسرق منا حياتنا أحيانا ..يبدو أن في كل مجتمع بشري هناك أناني وهناك مضحي ومعطاء لكن من المهم أن نكون على وعي مسبق بالثمن الذي سندفعه في الحالتين ، هذا في حال كنا مخيرين في طبيعتنا وحقيقة دوافعنا الخفية..لا أجرؤ طبعا على تبني فلسفة الجين الأناني كقوة دافعة على البقاء والاستمرار والحصول على ما نريد، لأنها فكرة ذات نتائج كارثية على المجتمع، سيختفي معها الكثير من النصب التذكارية لشخصيات أصبحت رمزاً لمواقفها البطولية الموغلة في الإخلاص والتضحية والإيثار..إلا أني أمتلك الجرأة على نصيحتك عزيزي القارئ،، اذا كنت لا تجد متعتك الخاصة في العطاء فكن أنانيا بما يكفي. حنان بديع

زر الذهاب إلى الأعلى