أنثروبولوجيا الحرف العربي بين حرية التشكيل الفني وجمالياته

حروفيات الخط العربي أنموذجا
بقلم: محمد بن سليمان الحارثي
مدرس بكلية الزهراء للبنات
يأتي السلوك البشـري المحسوس أو غير المحسوس حسب ثقافات العالم المختلفة مؤطرا ضمن مفردات علم الإنسان (الأنثروبولوجيا ) الذي يمكن تعريفه بأنه العلم الذي يدرس اتجاهات الإنسان نحو موضوع معين في مراحل تطوره زمنيا أو مكانيا وهنا وبصيغة أخرى عرفه العالم فرانس أوري بواس عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي الجنسية وأول من كتب عن أن الأنثروبولوجيا ما هو إلا فهم الطريقة التي تتكيّف فيها الثقافة البشـرية على فهم العالم والتفاعل معه بطرائق مختلفة، ومن الضروري من أجل التوصل إلى ذلك اكتساب فهمٍ للعادات اللغوية والثقافية الخاصة بالجماعة البشرية.
وقد يكون ذلك الموضوع ضمن احتياجات الإنسان المتنوعة لكنه قد يخرج عن قائمة احتياجه في بعض الأحيان لكنه ومع ذلك يتعامل مع ذلك الاحتياج بشيء من الإعجاب تارة و التجاهل تارة أخرى فعلى سبيل المثال لا الحصـر :عندما لا يكون لدي اهتمام بالرسم وما يتعلق به بسبب عدم وجود موهبة أو مهارة فنيه لكن يبقى مسألة تذوق الجمال في شتى صنوفه حاصلا مع كافة بني البشر بنسب وطرق متفاوتة فأنا أشتري لوحات مرسومة لمواضيع مختلفة أعلقها في أحد أروقة البيت تتناغم مع أبجديات البيت الأخرى كالأثاث وأرضيات السيراميك أو الرخام وهذا التناغم يكون بحسب اللون أو التكوين هذا التناغم الذي يكون سببا لانجذابي لاقتناء العمل .
ويمكن القول أن عناصر اللغة المكتوبة حروفا أو رموزا أو كلمات أو حتى جملا -مرتبطة بمدلولات لها معنى أو كانت حروفا غير مرتبطة بمعنى- قد تصنع لوحة بصـرية فائقة الجمال هذه اللوحة تبني سيميائية لغوية تخاطب فئات متنوعة من أفراد المجتمع ينتج من هذا التخاطب تواصل إيجابي مع الجماد الذي يرسل في محتواه رسالة للناظر فيفهمها وهنا حقق التشكيلي أو الفنان هدفه بنجاح.
كان للمدرسة الكلاسيكية في الخط العربي النصيب الأوفر من حيث الاهتمام قديما والخط العربي الكلاسيكي حسب ما هو معروف هو الخطوط المعروفة كالنسخ والرقعة والديواني والثلث والنسخ تعليق والجلي ديواني.. الخ وهي خطوط ترتبط بقواعد ونسب كتابة محددة وتكتب على مسطحات مختلفة كالورق بأنواعه ومسطحات أخرى كالقماش والجلد وغيرها.
أصبح لظهور المدرسة الحروفية للخط العربي في أواخر القرن العشرين أثرا بارزا في ثراء التشكيل الفني الحروفي لدى المهتمين بالتشكيل الفني القائم على الحرف العربي الذي صنع مسارا آخر موازيا للمدرسة الكلاسيكية في كتابة الخطوط العربية المعروفة والمرتبطة في محتواها بالمعنى الواضح ومع ظهور المدرسة الحروفية أكد هذا المسار البعد الثقافي والحضاري من خلال ربط الحرف بصوت وموسيقى أصبحت معروفه للعربي وغيره.
وهنا أصبحت المنطقة الحرة لكتابة الحروف دون ارتباطها بحروف أخرى لبيان المعنى أو عدم إلتزامها بقواعد رسم الحرف وتشريحه مرتعا خصبا للمهتمين بالتشكيل الحرفي الأمر الذي أظهر نتاجا كبير في الأعمال الفنية القائمة على التشكيل الحروفي ما أدى إلى ظهور (فنان تشكيلي) متنوع المواهب والمسارات -خطاط ومصمم جرافيكي وفنان في آن واحد.
هناك عدد لابأس به ممن ينتهجون المدرسة الحروفية منهجا ابدعوا فيه في كافة الدول العربية ففي العراق نذكر شاكر حسن ، جميل حمودي، وفي مصـر، حامد عبدالله وعمر النجدي. وفي السودان، عثمان وقيع الله و أحمد محمد شبرين، وفي لبنان إيتل عامر و سلوى شقير. وفي الجزائر، محجوب بن بللا رشيد قريش . وفي الأردن، محمود طه، وفي سوريا محمود حماد، خالد الساعي، وسامي برهان. وفي تونس نجا المهداوي، نجيب بلخومه، عبد القادر الريس، وفي المغرب، جيلاني الغرباوي، أحمد الشـرقاوي، وعبد الله الحريري. وفي المملكة العربية السعودية، أحمد ماطر، يوسف إبراهيم. وفي الأمارات العربية المتحدة، محمد مهدي، وفي سلطنة عمان عبد الناصر الصايغ ومحمد فاضل ومحمد مهدي و د. سلمان الحجري.
وإن كانت المدرسة الحروفية بدأت في أربعينيات القرن الحالي إلا أن تسارعها وتطورها بدى واضحا مع التسارع التقني والتكنولوجي من خلال استخدام البرمجيات الحاسوبية في تصميم لوحات حروفية قائمة على الخط العربي.
