أوراق الخريف.. الأنواء المناخية والمتطلبات الضرورية


د. أحمد بن سالم باتميرا

يشغل التعليم والبنية الأساسيَّة حيزًا كبيرًا من اهتمام دوَل مجلس التعاون الخليجي والمنطقة. واليوم ونتيجة زيادة واستمرار الأنواء المناخيَّة والحالات المداريَّة وتقلُّبات الطقس باستمرار في المنطقة، فإنَّنا بحاجة ماسَّة للعملِ من أجْلِ المستقبل والتأقلم مع الأوضاع المستجدَّة والقادمة حتَّى لا يتضررَ التعليم، وللعيشِ بسلام وأمان، والحفاظ على البنية الأساسيَّة والتنمية. وأصبح بحر العرب أحَد النُّظم المناخيَّة للحالات المداريَّة الَّتي تتعرض لها سلطنة عُمان بشكلٍ دائم؛ بسببِ امتدادِ سواحلها على طول بحر العرب وبحر عُمان، وأصبحت الأعاصير فوق بحر العرب أكثر حدَّة في العقود الأخيرة ممَّا يتطلب اختيار المشاريع بعناية فائقة ومُكوِّناتها لمواجهةِ هذه الأعاصير والتغيُّرات المناخيَّة المُتعدِّدة. فدرجات الحرارة وتغيُّر المناخ في دوَل مجلس التعاون الخليجي نتيجة الاحتباس الحراري يؤدِّي إلى ارتفاع كميَّات التبخُّر، وبالتَّالي تعمُّق المنخفضات، ومعدَّلات الأمطار ستزداد خلال السَّنوات القادمة على السَّلطنة ودوَل الخليج عامَّة والأعاصير المداريَّة، والمنخفضات كما تتوقَّع الجهات المختصَّة. وتتنبَّأ هذه الجهات أن تضربَ العواصف دوَل مجلس التعاون الخليجي في المتوسِّط مرَّة كُلَّ ثلاث سنوات أو أقلَّ أو أكثر ـ والله أعلم ـ وقد تأثرت سلطنة عُمان بالعديد من الحالات المناخيَّة طوال تاريخها، وخلَّفت خسائر جسيمة في الممتلكات والأرواح. لذا فإنَّنا مُلزَمون بأن نضعَ في الحسبان، أن تكُونَ مجاري الأودية الكبيرة جاهزة ونظيفة ومعمَّقة بشكلٍ كبير لجريانِ المياه دُونَ مشاكل، وأن نجمعَ كُلَّ الأودية الصغيرة في اتِّجاهٍ ومصبٍّ واحد صوب الوادي الكبير حتَّى لا تتضرَّر المساكن والطُّرقات وغيرها. فنحن الآن علينا الإسراع في بناء مجاري الأودية الكبيرة من منبعها الأصلي حتَّى السدود أو البحار. فتجهيز البنية الأساسيَّة للأودية هو أهمُّ الأولويَّات في هذه المرحلة، حتَّى لا نتعرضَ لخسائرَ تفوق البناء والإصلاح بعد ذلك في الطُّرقات والمساكن والمنشآت وغيرها، واللَّبيب بالإشارة يفهم. فتغيير بوصلة الفكر التَّنموي، والأخذ في الحسبان المواصفات الَّتي تتلاءم مع الأنواء المناخيَّة، أصبح ضرورة حتميَّة، ومراجعة التخطيط العمراني بشكلٍ عامٍّ والعمل على حمايتها من فيضانات مياه السدود والأودية، وتوزيع الأراضي للمستحقين لها في أماكنَ محميَّة، والعمل بأسرع ما يُمكِن أيضًا على تخزين المياه والاستفادة مِنها في التنمية الزراعيَّة والاستهلاك الآدمي وفق رؤية واضحة. والتعليم له نصيب كبير أيضًا من الرؤية، فإنَّني أقترح على الدَّولة أن يكُونَ التعليم عن بُعد يومين في الأسبوع الأحد والخميس، ممَّا يؤهِّلنا للاستعداد للمنخفضات والحالات المداريَّة وعدم تعطيل الدراسة، وأيضًا اختيارنا لبدايةِ ونهايةِ الأسبوع حتَّى نخففَ من زحمة السيَّارات في الشوارع وتقليل الحوادث، خصوصًا وأنَّ الأنواء المناخيَّة ظاهرة متتالية في السَّنة مرَّتين أو أكثر. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة شهدنا تغيُّرات مناخيَّة كبيرة على دوَل مجلس التعاون الخليجي تمثلت في أحَد جوانبها بسقوط الثلوج وكميَّات الأمطار الغزيرة، والَّتي شكَّلت ظواهر غير مألوفة. وهذه التغيُّرات تقُودُنا للتساؤل عن مدى جاهزيَّة البنية الأساسيَّة في دوَل مجلس التعاون الخليجي للتعاملِ مع مِثلِ هذه الظروف المستجدَّة. لذا فمعايير البناء المتَّبعة في دوَل الخليج عمومًا من المؤكَّد أنَّها بحاجة إلى إعادة نظر، والتفكير في استحداث معايير جديدة تتوافق مع المعطيات المستجدَّة، والاستفادة من تجارب الدوَل الآسيويَّة، والعمل على تحديث ما هو قائم حاليًّا. فالتحدِّيات عديدة قادمة لا محالة نتيجة متغيِّرات الحياة والصناعات والأنواء المناخيَّة وغزارة الأمطار، ممَّا يتحتَّم بناء صرف صحِّي على أعلى المستويات. فما نحتاجه تشخيص كُلِّ هذه الأشياء لبناءِ تعليمٍ قويٍّ واقتصادٍ ومشاريعَ مستدامةٍ وصامدة دُونَ خسائر ماليَّة عالية. وبذلك نكُونُ قد هيَّأنا أنْفُسنا لهذه الحالات المداريَّة، ووفَّرنا الوقت والجهد للمُجتمع، وجعلنا الأنواء المناخيَّة حدثًا اعتياديًّا وبأقلّ الخسائر في كُلِّ القِطاعات، وجعلنا قِطاع التعليم في الاتِّجاه الصحيح وجاهزًا لِمَا هو قادم من أنواء أو تطوُّرات في الاستفادة من التكنولوجيا الحد. أحمد بن سالم باتميراديثة مثلًا، وكُلُّ هذه العوامل ستُسهم في إيجاد بيئة داعمة للحياةِ دُونَ كوارث بإذن الله تعالى.. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

batamira@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى