مهرجان خريف ظفار؛ لمن نغنّي؟!

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني
في زمنٍ غير بعيدٍ غنّى الفنان عمر جبران أغنيةً لا أعرف اسم كاتب كلماتها، غير أنّ لازمتها ظلّت محفورةً في ذاكرتي — ربما لفجاجة التناقض فيها — إذ تقول: «تمشي على الموضة تركي وألماني». لا أدري لماذا اختار الشاعر تركيا وألمانيا مثالًا لعلوّ ذوق محبوبته؛ حدسي يقول إنه أوردهما لمواءمة القافية، فالبلدان قد يُشتهران بكثيرٍ من الأمور، إلا أنّهما ليسا مرجعًا في عالم الموضة.
أوردتُ هذه المقدّمة مدخلًا للحديث عن مشهدٍ متنافرٍ آخر يتكرّر كل عام في مهرجان ظفار السياحي. فمنذ ولادة المهرجان منتصف التسعينيات وهو بلا نسقٍ مترابطٍ يُبنى عليه من حيث التخطيط والأهداف. واقع المهرجان أنّه ألعابٌ وفقراتٌ وفواصل فنيّة، وقليلٌ من الثقافة، وكثيرٌ من الرقص الشعبي الذي تضجّ به فعالياته المختلفة. ولعل من المفيد التذكير أن عددًا غير قليل من مناشط المهرجان يتكرّر سنويًا منذ بداياته، وغالبًا ما يأتي فَجًّا غير متناسق، تتسيّده الفوضى وتضعف فيه المهنية؛ وأخصّ هنا عرض البيئات المختلفة للمحافظة.
ولأنني لستُ من هواة أنشطة المهرجان وفعالياته، فشهادتي — برأيي — ليست مجروحة، بل تنطلق من اختلافٍ في الرؤية لما هو قائمٌ وما ينبغي أن يكون. لا أزال أرى أن بعض فعاليات المهرجان، التي باتت تحتلّ أغلب سهول ظفار، مكرّرة وممجوجة. فقضيّة التعريف بالبيئات المحليّة — خصوصًا البدوية والريفية — وتكرار الرقصات الشعبية في كل شاردةٍ وواردة، من مبنى المطار وصولًا إلى سلّم الطائرة عند المغادرة، أفقدت فنون المحافظة زخرفها ورونقها، ودنت بها إلى حدود الابتذال.
ظفار لم تكن يومًا ساحةً للرقصات والأهازيج الشعبيّة فحسب؛ فهي أكبر من ذلك. لكننا — للأسف — نعيد إنتاج المشهدية ذاتها ونرسّخ الانطباع ذاته حين نُفرِط في تقديم هذا الجانب، ونُخفت الأضواء كثيرًا عن جوانبَ أخرى أولى بالتركيز: التاريخية والثقافية والرياضية، وهي أصدق تعبيرًا عن كينونة المحافظة وأبنائها الذين يشكّلون امتدادًا لتاريخ السلطنة العظيم الضارب في القِدم.
وهنا نتساءل: لماذا يُنتدَب للتعريف بالبيئات الريفية والبدوية أفرادٌ يفتقرون إلى المخزون المعرفي أو الثقافي وإلى اللّباقة اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام؟ لماذا تتكرّر في بعض أنشطة المهرجان وجوهٌ عُرِفت بالسَّفه، أو أُوكلت مهامّ الأداء إلى أطفال — ولا سيما فتيات — غير مُدرَّبات على مواجهة الجمهور لتقديم رقصاتٍ شعبيةٍ تؤدَّى عادةً ضمن حضورٍ نسائيٍّ صرف كما جرت الأعراف في المحافظة؟ أليس في الإمكان الاستعانة بفرقٍ شعبيةٍ متخصّصة عالية التدريب، قادرة على أداء المهام بحِرفيّةٍ ومهنيةٍ أكبر؟
هذه الأسئلة وغيرها برسم القائمين على المهرجان الذين تتبدّل أسماؤهم وصفاتهم بين حينٍ وآخر، لكن التغيير لا يطال عمق الفكرة ولا هدف المهرجان ولا خارطة فعالياته. إن العشوائية السائدة لم تعد مناسبةً لهذه المرحلة من عمر النهضة؛ وما كان مقبولًا قبل عقودٍ لم يعد كذلك اليوم. لقد آن لمهرجان خريف ظفار أن ينضج، وأن ينطلق بثقةٍ إلى العالميّة.





