“زمن الطيبين”

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

في زمن الطيبين، قال الشاعر المعروف في ظفار بشعره الغنائي الظفاري المحبب جمعان ديوان (أبو سلامة):
أبو سلامة تمدّن… شرب شاهي ملبّن
إن بغيته بكاسات، وإن بغيته بفناجين
حالي يا موز، حالي يا صباح السلاطين
(أبو سلامة هي كنية الشاعر نفسه).
إذا استبعدنا الرمزية عن النص وأخذناه على معناه المباشر، فيمكن أن نخرج بفكرتين أساسيتين:
أولًا: أن الشاعر استخدم شرب الشاي في كوب أو فنجان دلالة على أنه أصبح متمدّنًا، مما يوحي بأنه لم يكن في الأصل من المدينة.
ثانيًا: أن علامة المدنية هذه، والمتمثلة في شرب الشاي بالحليب في الكاسات، لم تكن متاحة لعامة الناس، بل كانت مقتصرة على العاملين في القصور، باعتبار أن وجود الشاي وشربه في آنية مخصصة كان أمرًا مقصورًا على علية القوم في ذلك الوقت.
عاش أبو سلامة وعاصر بدايات النهضة، وشهد بأم عينيه انتشار أنواع الشاي المختلفة وتعدد ألوان وأحجام الكاسات والأكواب، ووصولها إلى كل بيت في المدن والأرياف والبوادي، قريبها وبعيدها، حتى وافاه الأجل في منتصف تسعينيات القرن المنصرم. لكنه، بكل تأكيد، لم يشهد توزع أكشاك الشاي وتنوع مذاقاته، ولا الكافيهات الأعجمية التي نعجز عن حفظ أسمائها أو حتى الاستدلال على معانيها.
ففي هبة زمن كرامات الرجال، ولمّات الحريم، ورسم القلوب المخترقة بسهام الحب على الرغوات، تبدو كلمات أبو سلامة منقطعة لتصف زمانًا آخر وأقوامًا آخرين تجاوزهم الزمن وذهب ريحهم إلى غير رجعة.

زر الذهاب إلى الأعلى