من مكة إلى عُمان.. دعاء المصطفى وإرث القيم

خالد بن شاهين

من لحظة المولد الشريف أشرقت الأرض بنور النبوة، وكان لأهل عُمان نصيب من هذا النور بدعاء النبي لهم بالخير والرحمة.

يعد مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم حدثا مفصليا في تاريخ الإنسانية، فقد ارتبط ميلاده بطلوع فجر جديد أزاح ظلمات الجهل والظلم، وأعلن بداية عهد من الرحمة والهداية. ففي عام الفيل ولد الصادق الأمين، لتتبدل الأحوال وتظهر تباشير الخير في الأرض. وقد جسدت كتب السيرة أن لحظة ميلاده صلى الله عليه وسلم صاحبتها دلائل عجيبة، وكأن العالم كان يستعد لاستقبال خاتم الأنبياء. ومنذ تلك اللحظة، انطلقت رسالة الإسلام لتغير

النفوس وتعيد صياغة القلوب على قيم الإيمان والعدل ومكارم الأخلاق.

لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم رسولا فقط، بل كان نموذجا يحتذى في الأخلاق. فقد عرف قبل بعثته بالصادق الأمين، فكان يحفظ حقوق الناس ويؤدي الأمانات إلى أهلها. وحين بعث رسولا، جسد العدالة في أبهى صورها، فلا يفرق بين غني وفقير أو قوي وضعيف. كان يقف بنفسه على حاجات الناس، يتفقد الفقراء والمحتاجين، ويواسيهم بيده ولسانه، حتى قال فيه أصحابه: “ما شبع رسول الله من طعام ثلاثة أيام تباعًا خشية أن يشبع ويجوع غيره”. لقد نشر العدل بين الناس، وأقام مجتمعًا يقوم على الرحمة والمساواة، فكان حقا رحمة للعالمين.

ولعل من أعظم ما نالته عمان وأهلها من بركات هذا النور المبين، أن خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء مبارك حين قال: “رحم الله أهل عمان، آمنوا بي ولم يروني”. فقد دخلوا الإسلام طوعا لا كرها، وأثبتوا معدنهم الأصيل في التواضع والكرم، وتمسكهم بمكارم الأخلاق التي أكد عليها الإسلام. ولم يكن هذا الدعاء. مجرد كلمات عابرة، بل هو وصية نبوية خالدة، إذ أوصى الرسول الكريم بأهل عمان وهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. فصاروا أوفياء لهذا الإرث جيلاً بعد جيل، محافظين على إيمانهم وصفاء سريرتهم، وناشرين لقيم العدل والرحمة كما أرادها النبي صلى الله عليه وسلم.

إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن رسول العرب وحدهم، بل كان رحمة مهداة ونورا للعالمين. ومولده الشريف هو ميلاد للأمل والخير، وما ناله أهل عُمان من دعاء المصطفى سيبقى شاهدًا على صدق إيمانهم ونقاء معدنهم إلى قيام الساعة.

زر الذهاب إلى الأعلى