الضربة الأمريكية على الدوحة

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

يخطئ كثير من المعلقين والمحللين في فهم دوافع القرار الأمريكي بضرب الدوحة. أقول القرار الأمريكي وليس الإسرائيلي، فإسرائيل ليست إلا أداة وظيفية حين يتجاوز الأمر حدودها المرسومة.
في تقديري المتواضع، الضربة الأمريكية على الدوحة عبر وكيلها المطلق إسرائيل لم تكن هدفًا عابرًا، بل جزءًا من خطط تفصيلية لإعادة الحلفاء جميعًا إلى بيت الطاعة في واشنطن.
لقد أرخت أمريكا قبضتها طويلًا حتى ظن البعض أنهم قادرون على التمايز عن القرار الأمريكي، واللعب في المساحات الرمادية بين الأقطاب. لكن التجربة أثبتت أن مجرد محاولة التظاهر بالخروج عن الهيمنة الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية الأمريكية أمرٌ ممنوع. فأمريكا تخوض اليوم حربًا وجودية للحفاظ على نظام القطب الواحد، ولمنع أي منافسة أو حتى صعود جانبي لتكتلات اقتصادية وسياسية تسرّع الصيرورة التاريخية في تبدل موازين القوى.
ترمب، حين غير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، لخص بوضوح عقلية المرحلة. وما نشهده من أحداث في أرجاء العالم ليس سوى تفاصيل صغيرة تساهم في رسم صورة كبرى لصراع القوى.
الضربة الأمريكية على الدوحة كانت قرصة أذن وصل صداها إلى العواصم جميعًا، وفهمها الحلفاء قبل الأعداء. ولو كان الهدف قادة حماس، لكانت إسرائيل قادرة على تصفيتهم منذ زمن بأساليب أكثر سرية. إنهم تفصيل صغير لا يستحق المخاطرة. الهدف الحقيقي أبعد وأخطر: إنها رسالة أمريكية صريحة إلى زعماء المنطقة والعالم ببدء حملة لإرجاع الحلفاء قبل الأعداء إلى الحضيرة.
في شرقنا الأوسط، ستتولى إسرائيل مهمة التأديب، بينما في أوروبا والأمريكيتين ستتكفل واشنطن نفسها بدفع اليمين المسيحي الذي يتحفز منذ سنوات إلى الوصول إلى سدة السلطة. الضربة لم تكن إذن مجرد عمل عسكري، بل إعلان انطلاق مرحلة جديدة من إعادة رسم التحالفات والحدود المسموح بها للسيادة إن وجدت.
فهل وصلت الرسالة؟
نعم، وصلت… لكن الإجابة الأهم ستتجلى في ردود أفعال العواصم المعنية، ومدى استعدادها للرضوخ دون قيد أو شرط لأمريكا الجديدة، أو المخاطرة بالبحث عن مساحات رمادية لم يعد مسموحًا بها.

زر الذهاب إلى الأعلى