لماذا المغرب؟! ولماذا الآن؟!

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

زرتُ المغرب لأول مرة في ديسمبر 1985م حين كنت طالبًا في المرحلة الثانوية، وتكرَّرت زياراتي في سنوات لاحقة. رأيتُ بأمّ العين حجم التطور والتحول الذي شهده هذا البلد الشقيق، ذلك البلد الذي يستلقي على المحيط الأطلسي ويتوسد جبال الأطلس بكبريائها وتاريخها العريق، الموشّى بدماء شهداء الاستقلال وعنفوان زمن الفتوحات وزوايا العلماء والسادة.
من عرف المغرب قبل عهد الملك محمد السادس وبعده يدرك جيدًا عظمة التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عاشها، ويصعب عليه أن يتخيّل أن يخرج من بين أبنائه من يسعى لجرّه إلى الوراء وإغراقه في بحور الدماء — فقط كوسيلة رخيصة للوصول إلى السلطة، ولو على جثث الأبناء والأحفاد.
المظاهرات التي يشهدها المغرب اليوم ليست حدثًا عرضيًّا فرضته الظروف الاقتصادية كما يروّج أشباح مواقع التواصل، بل هي — على ما يبدو — خطة تُدار في غرف مظلمة بلا وجه معلن ولا مرجعية واضحة. أما شعار «جيل Z» الذي يُستدعى كذريعة، فهو في الواقع غطاء سياسي مناسب يستغل حوادث فردية متفرقة لتضخيم الحدث وصناعة عناوين مبهمة تتخذ من قضايا الرأي العام وسيلة لتحريك الشارع.
ويبقى السؤال الأهمّ: لماذا المغرب؟ ولماذا الآن؟ لستُ من الذين يعوّلون على الصدف في قراءة مثل هذا الحراك وفي هذا التوقيت تحديدًا، ولا أظن أن التفسيرات الاقتصادية تكفي وحدها لفهم المشهد. وإن كان لي أن أجتهد، فسأبحث عن اليد الخفية للإخوان. فرغم أن حضورهم في المغرب يبدو ناعمًا على السطح، فإن خسائرهم المتوالية من «البحر إلى البحر» قد تدفعهم للتشبث بأي موجة جديدة، أملاً في تعويض ما فات.
المغرب اليوم ليس مجرد بلدٍ عادي في المنطقة؛ فهو ركيزة استقرار في شمال أفريقيا وجسر حيوي بين العالم العربي وإفريقيا وأوروبا. وأي محاولة لزعزعة استقراره لن تكون خسارةً للمغاربة وحدهم، بل سيكون ارتدادها مؤثرًا على الأمن الإقليمي برمته. ومن يظن أنه بإمكانه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فاته أن شعوب الأطلسي لا تُقاد من غرف مظلمة، ولا تُباع ولا تُشترى بأوهام الشعارات.

زر الذهاب إلى الأعلى