*سافر ففي الأسفار خمس فوائد

مقال: إسحاق الحارثي

ساقتني الظروف بدون تخطيط مسبق للقيام بتجربة ومغامرة ضمن مغامرات السفر التي بدأتها في سن مبكرة من عمري ولكن هذه المرة إلى قارة أوروبا وهي الأولى من نوعها في حياتي فبعد أن كسبت مبلغا وقدرة ١٠٠ ريال عماني (حينها كان مبلغا مجزيا) وكان ذلك في العام ١٩٩٢ وعمري تقريبا ٢٤ عاما، في مسابقة تلفزيونية كان يقدمها آنذاك المكرم محمد المرجبي في شهر رمضان المبارك بتلفزيون سلطنة عُمان وكنت أسمع كثيرا عن لندن وعن بريطانيا وعن المملكة المتحدة وأعرف الكثير ممن ابتُعث للدراسة فيها حينها كانت حلم كل طالب عماني إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية على العموم كان أخي وصديقي وجاري الأستاذ عادل الوهيبي مبتعثا للدراسة في إسكوتلندا لدراسة الطب وتواصلت معه بالاتصال الهاتفي للاستفسار عن موعد عودته إلى مسقط فأخبرني أنه لازال أمامه الوقت الطويل لينهي دراسته ويتخرج فأبديت رغبتي في زيارته ففرح ورحب بالزيارة وبدأت التخطيط لهذه الزيارة ابتداء من تكملة المبلغ الذي كسبته من التلفزيون مرورا باستخراج تأشيرة الدخول إلى المملكة المتحدة وحينها كانت السفارة في مسقط القديمة قرب مستشفى ولجات بمنطقة ولجات التي اقتلعت عن بكرة أبيها وحاليا مكانها قصر الضيافة. من حسن حظي أنه كان يعمل بالسفارة مجموعة لابأس بها من أبناء حارتي مسقط ميابين وتمت تزكيتي من قبلهم بحكم معرفتهم بي وقربهم من القنصلية البريطانية في مسقط وتم استخراج التأشيرة في غضون أيام معدودة، وبما أن المبلغ الذي جمعته كان مبلغا زهيدا فلا خيار لي سوى البحث عن شركة طيران يكون سعرها مناسبا في ظل هيمنة وسيطرة طيران الخليج على سوق السفر إلى لندن والتي لم أستطع شراء تذكرتها، ذهبت إلى الخطوط الجوية البلغارية وأتذكر سعر التذكرة حينها ١٦٠ ريالا عمانيا مرورا بصوفيا التي مكثت بها ٦ ساعات مع حصولي على وجبة مجانية عبارة عن فطعة خبز واحدة مع زبدة و مشروب غازي لا تسمن ولا تغن من جوع ناهيك عن حالة المطار آنذاك فحينها كانت بلغاريا قد ودعت أزمة حرب دول البلقان وكانت آثار الحرب والدمار واضحة على مبنى المطار.
بعد مضي ٦ ساعات أتذكر وأنا أتناول وجبتي المجانية على الدرج حيث اكتضت قاعة المغادرة الداخلية بمسافرين من شتى بقاع الأرض وحينها كانت الخطوط الجوية البلغارية تنشط في مجال الترانزيت بحكم المعروض من السعر الرخيص الذي يسمى في يومنا هذا بالطيران الاقتصادي.

وبعد إقلاعي من مطار صوفيا إلى مطار هيثرو الذي لطالما سمعت عنه الكثير وتحدث عنه الجميع بفخامته وضخامته وكبر مساحته وقد أبهرني وشد انتباهي ورجعت بذاكرتي إلى المطارات التي زرتها في منطقتنا الخليجة أو الدول العربية أو الآسيوية التي زرتها قبل هذه الزيارة.

بعد سؤالي من قبل ضباط الهجرة عن سبب زيارتي إلى المملكة المتحدة وعن عنوان إقامتي وعن المبلغ الذي بحوزتي هممت بالخروج وأنا في لهفة لأحقق حلمي بأم عيني و هو رؤية لندن عاصمة الضباب، و إذا بوجهي جاري البيت بالبيت و ابن منطقتي ميابين أخي الكبير العزيز الأستاذ خلفان بن ناصر الوهيبي الملحق الصحي بالسفارة العمانية بلندن حينها وقد كان في مهمة رسمية يستقبل فيها وفدا رسميا من وزارة الصحة العمانية وقابلني بحرارة وسألني ما الذي أتى بك إلى هنا قلت له لزيارة أخي عادل الوهيبي فرد عليٌ في إسكتلندا وليس في لندن وأنا تفكيري كان ضيقا ومحصورا وكنت أظن أن المسافة بين لندن وإسكتلندا كما هي بين مسقط وروي وقال لي إن للوصول إلى مدينة عادل أحتاج إلى أن أركب طائرة أخرى والسفر لمدة ساعة كاملة.
حينها كان أبا ناصر في عجالة من أمره حيث ينتظره وفد بحجم وكيل وزارة ومدير عام وطلب مني أن أبقى في الخارج إلى أن يستقبل ضيوفه ثم حضر بضيوفه وطلب مني مرافقتهم في جولة بمدينة لندن وكانت بمثابة جولة سياحية مجانية لي وفي نفس الوقت التعرف على لندن ومعالمها بشكل سريع ومن الأماكن التي أتذكرها في تلك الزيارة قلعة وندسور التي كانت ساعتها مغلقة من الداخل بحكم الحريق الذي نشب بها.

بعد مغادرة الوفد العماني عائداً إلى مسقط تفرغ الأخ العزيز أبو ناصر للجلوس معي وطلب مني الذهاب بصحبته إلى المنزل ولكني كنت متلهفا للوصول إلى إسكتلندا وحينها كان أخي وصديقي عادل الوهيبي قد أمن لي الإقامة مع عائلة إسكتلندية والمكوث معها لمدة شهر كامل منها الإقامة ومنها تعلم اللغة الإنجليزية فكانت إقامة ممتعة وطيبة ولازلت أتذكر اسم السيدة التي قمت بمنزلها (دورثي) التي كنت أراسلها عبر الرسائل الخطية الورقية حتى فترة طويلة بعد عودتي من إسكتلندا.

بعد أن اقنعت أبا ناصر بمواصلة الرحلة من لندن إلى إسكتلندا ذهب بي إلى قاعة المطار الداخلي وقمت بحجز رحلة جديدة عبر الخطوة الملكية البريطانية إلى إسكتلندا لمدة ساعة كاملة بمبلغ وقدرةده ١٠٠ جنية إسترليني وهممت بشراء التذكرة مودعاً أبا ناصر على أمل زيارته عند العودة من إسكتلندا.

بعد وصولي إلى مطار دإسكتلندا كان الوقت متأخرا والنهار لازال حاضرا فأدرت قرص الهاتف ذو الكبينة الحمراء المشهور في لندن قمت بإجراء محادثة للأخ العزيز والصديق الجميل عادل الوهيبي أخبره أنني وصلت إلى مطار إسكتلندا فطلب مني الانتظار لمدة ٤٥ دقيقه حتى يصلني بسيارة الأجرة فقلت يالها من إسكتلندا التي حسبتها قريبة من لندن وإذا بي هي مقاطعة بعيدة عن العاصمة وما زاد الطين بلة أن مطارها هو الآخر يبعد عن المدينة ٤٥ دقيقة.

لم يتأخر عادل كثيرا واصطحبني معه إلى بيت دورثي التي رحبت بي وشرحت لي نظام الإقامة في البيت وقد قضيت أوقاتا جميلة جدا في إسكتلندا عرفني فيها عادل على مدن إسكتلندا الجميلة أذكر قضينا مناسبة عيد الأضحى المبارك في قرية ريفية بأدنبرة..

للقصة بقية….

زر الذهاب إلى الأعلى