*من كراسات سوالف زمن الاتحاد السوفيتي :- الجزء ٢ –

الزمان : السبيعنيات والثمانينيات من القرن العشرين
المكان : ( موسكو ) الاتحاد السوفيتي

بقلم : د حسن الموسوي

*سرد سريع* :
كنت منذ الصغر وأيام الحداثة كثير السفر حتى أصبحت البلدان والشعوب جزءاً من ثقافتي . لم تكن سفراتي كما يحلو للكثير وراء المتعة بل كانت بالدرجة الأولى لإكتساب فوائد عديدة منها : التعرف على العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة لدى تلك المجتمعات التي فيها رحالي ؛ ثم دراسة تأريخ تلك الحضارات والموجودات من القلاع والحصون والمتاحف وحتى الأزقة القديمة وما فيها من بيوت وقصور وحدائق .
وعندما حطّت قدماى رحالها في موسكو أتياً من مطرح فلم تكن لي صدمة وأن أرى مدينة عامرة ونظيفة ، بل في فترة قصيرة جدا تأقلمت مع كل ما حولي من بعيد كان أو قريب . أعرف أن الكثيرين تصيبهم أعراض الصدمات النفسية الحضارية وخاصة أولئك الأشخاص الذين أتوا مباشرة من البلاد المتخلفة دون أن يرى أحد منهم بلاد غير بلادهم .

*مدينة موسكو والخروج الأول* :

– *في مترو الأنفاق*


في بدايات أيامي صرت أبحث في المدينة الاشتراكية الأولى في العالم عن المسارح والمتاحف والأثار التأريخية وكذلك عن الجندي المجهول تحت أسوار الكرملين وفي الساحة الحمراء . كانت الساحة الحمراء هي أول محط رحالي في أجندتي وأنا خارج من السكن الداخلي ، كان ذلك في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس عام ١٩٧٣  .
في الصباح عند التاسعة إلاّ الربع خرجت من السكن الداخلي حيث شارع ميكلوخا مكلايا ركبت الباص المتجه إلى محطة مترو وكان اسم المحطة يوغو زابدنيا أى محطة جنوب غرب حيث موقع السكن . كان المترو مكتظاً بالناس المتجهة إلى العمل . إن أول ما شدّ انتباه سمعي صوت أقدام المئات وهي تشد إلى حيث تبغي . كان الهدوء يلف المكان في المترو حيث الأفواه ساكتة لا ضوضاء البتة غير صوت القطار الأتي والذاهب . ثم ما لفت نظري النظام في داخل القطار ، حيث أن كبار السن والحوامل والأطفال بكون لهم الإحترام والسبق والواجب في الجلوس على مقاعد القطار قبل البقية من الفئات العمرية . وبمجرد الجلوس او الوقوف ترى الأغلبية تبدأ بفتح الكتاب حتى يصل الشخص إلى المحطة التالية التي يرغب فيها النزول .

– *في الساحة الحمراء*


وصلت إلى محطة لينين في الساحة الحمراء ، نزلت من القطار متجها إلى الساحة الحمراء وأنا أمام المتحف التأريخي في الساحة العامة ، كان من طوب أحمر قاتي  . من هنا خطوت الخطوات التالية إلى أن شاهدت برج قصر الكرملين والساعة أخذت تسكب لحنها وتشير إلى التاسعة ، دخلت إلى الساحة الحمراء وأنا في حالة إنبهار عظيم من جمال الساحة وسورها الشاهق والمباني والكنيسة المطلة حول الساحة التي أكثرها لونها لون أحمر قاني كالمتحف تماما ، إلاّ قباب الكنيسة الشهيرة ومبنى ضخم رمادي اللون عليه لمسات القرون السالفة . صرت أتجول من ركن إلى آخر حتى أصبح المكان المفتوح لي معروفاً من الكنيسة وساعة البرج وأسوار الكرملين وتحتها ضريح مفجر الثورة الإشتراكية العظمى الزعيم لينين وصرت أدقق بالتفاصيل فيها فصارت الآن في ناظري غير تلك الموجودة التي شاهدتها في الصور من قبل .

*في متاجر غوم* :
لم أدخل المتحف التأريخي ولا في الكنيسة ، بل تعرجت في مبنى ضخم ودخلت مع الداخلين فيه ، ولم أكن أدري أصلاً شيئا ما عن هذا المبنى . كان المبنى لعدة أدوار وفيه مختلف المحلات التجارية ومحال التحف والمطاعم والمقاهي وغير ذلك . كان السقف من الزجاج . تجولت من الطابق الأرضي حتى الأخر وأنا أنظر ما في المحلات
من مقتنيات مختلفة ، فهذا محل تباع فيه ثياب صوفية وأخرى للملابس النسائية والرجالية ، ومحلات التحف وما فيها من الدمية وخاصة الماتروشكا المعروفة ، والكثيرة الأخرى المصنوعة من الخشب واللوحات الفنية . جلست في مقهى وتناولت كوباً من حليب صاف مع الشكولاته ، وسندويشاً من كافيار أسود ولم تتجاوز روبل ونصف كل تلك اللقمة الغنية .

*إلى شارع غوركي*
عند حوالي الساعة الثانية عشرة خرجت من متاجر غوم قاصداً إلى شارع مكسيم غوركي ، تجولت مشياً على الأقدام في طول الشارع العريق ، تحف العمارات القديمة طرفى الشارع ويعطي كل مبنى فيه جمالاً أخاذا للشارع . كنت ألقي نظرة تلو الأخرى إلى كل مبنى في الشارع . وصلت إلى ساحة بوشكين في الجهة اليمنى من طرفي وفيه نصب لشاعر روسيا العظيم بوشكين وأمام الساحة في الجهة الأخرى يقع مبنى بلدية موسكو العريق البديع في بنائه ولونه الأبيض والأحمر الفاتح والقاني ، والذي تم تحريكه في الثلاثينيات من وسط الشارع إلى المكان الذي فيه في الوقت الحاضر .
قضيت في هذا الشارع حوالي ساعة ونصف تقريبا وعند حوالي الساعة الرابعة رجعت إلى السكن ، وأنا أحمل في ذاكرتي هذه اللوحة الفنية الرائعة من أيام صباي في موسكو …….

د حسن الموسوي
٧ صفر ١٤٤٧
١ أغسطس ٢٠٢٥

زر الذهاب إلى الأعلى