المعدل الجامعي وطموحات الشباب : أزمة التعليم بين الأرقام والقدرات

✍️ خالد بن شاهين

يمثل التعليم البوابة الأولى لمستقبل الشباب، غير أن واقع القبول الجامعي اليوم يفرض إشكالية عميقة ترتبط بالمعدل التنافسي، إذ أصبح هذا المعدل أشبه بفيصلٍ قاطع يحدد مصير الطالب ويقيد طموحه في اختيار التخصص الذي يحلم به. وهكذا، يجد كثير من الطلبة أنفسهم في بيئة علمية شبه مستحيلة، حيث يُلغى حقهم الطبيعي في متابعة ميولهم ورغباتهم العلمية لمجرد رقم سجله في شهادة الصف الثاني عشر.

إن ربط التفوق العلمي حصريًا بالتحصيل الدراسي في المرحلة المدرسية يُعد خطأً جسيمًا، فكم من متفوق في الصف الثاني عشر فشل لاحقًا في الجامعة، وكم من متعثر في المراحل الدراسية المبكرة استطاع أن يقود مؤسسات الدولة ويترك أثرًا ملموسًا في مجتمعه، ليُثبت أن الإبداع والتفوق لا تحدده الأرقام بقدر ما تحدده العزيمة والقدرة على توظيف الطاقات.

ولا ينبغي أن نغفل أن المرحلة العمرية التي يمر بها طلاب الصف الثاني عشر هي مرحلة حساسة جدًا، فهي مرحلة مراهقة تتسم بالتغيرات النفسية والتوتر والضغط الذهني. هذه العوامل مجتمعة تجعل الطالب أحيانًا يفقد التركيز أو لا يبالي، لأنه يعيش صراعًا داخليًا بين معنى مستقبله وبين ضغوط محيطه، مما ينعكس مباشرة على أدائه الأكاديمي. فكيف يمكن اختزال مصير إنسان كامل في فترة دراسية مضطربة بطبيعتها؟

ما يزيد المشهد تعقيدًا، أن بعض الأنظمة في الخارج تستقطب طلابًا بمعدلات ضعيفة جدًا، بينما يُشترط على المواطنين في مؤسساتنا الدخول بمعدلات خيالية، مع تجاهل طاقات الشباب الباحثة عن عمل، في الوقت الذي يغص فيه القطاع الصحي بالوافدين تحت ذريعة سد النقص. وبشكل عام، تُظهر التجارب التعليمية في الخارج أن قبول الطلاب في كليات الطب والعلوم الصحية لا يقتصر على أصحاب المعدلات المرتفعة، بل يُمنح المجال لمن يمتلك الرغبة والميول نحو هذه التخصصات، حتى وإن كانت درجاته في الثانوية العامة عادية. والنتيجة أن كثيرًا من هؤلاء الطلاب يثبتون تفوقًا أكاديميًا ملحوظًا في المرحلة الجامعية، لنحصل في النهاية على خريجين أكفاء، رغم أن نسبهم في الثانوية لم تتجاوز 80%. هذا يوضح أن معيار النجاح الحقيقي لا يكمن فقط في نقطة البداية، وإنما في ما يبذله الطالب من جهد وإصرار في رحلته الجامعية.

لقد خلقت السياسات التعليمية بيئة قاسية تُحاصر الطلاب داخل أرقام جامدة، وتتعامل معهم وكأنهم مجرد نسب مئوية، لا كعقول حية تحمل مواهب متنوعة وطاقات خلاقة. وهكذا يُسحق الشغف وتُقتل الطموحات عند أبواب الجامعات، في حين أن الواقع يؤكد أن العقول النيرة لا تُقاس بورقة امتحان، بل بقدرتها على التحدي وصناعة نفسها.

إن الحل لا يكمن في التمسك بمعدلات الصف الثاني عشر كمعيارٍ وحيد، بل في إيجاد بدائل أكثر عدلًا وواقعية، من خلال:

– القدرات الفردية التي تُقاس عبر اختبارات مهارات حقيقية.

– الميول والرغبات التي تُشعل الشغف وتجعل الطالب يبدع في مجاله.

– التجارب العملية التي تثبت أن النجاح ليس حكرًا على من حصدوا الدرجات العليا.

المستقبل لا يُبنى بالأرقام وحدها، بل بالشباب الذين تُمنح لهم الفرصة لاكتشاف أنفسهم وتطوير مهاراتهم. العقول النيرة والطاقات الكامنة ليست حكرًا على من حصد أعلى الدرجات، بل هي موجودة في كل طالب لديه الرغبة في التعلم والتفوق. إذا أردنا أن نبني مجتمعًا مزدهرًا، فلا بد من إعادة النظر في أساليب قياس التفوق، وإتاحة المجال لكل من يمتلك القدرة والإصرار على صناعة نفسه وتحقيق أحلامه.

زر الذهاب إلى الأعلى