قصف الدوحة… اختبار لوحدة الخليج

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

في سابقة خطيرة، تعرضت الدوحة عاصمة قطر لقصف إسرائيلي في وضح النهار. لا يمكن توصيف ما جرى إلا باعتباره اعتداءً سافرًا على دولة خليجية مسالمة وذات سيادة. لا يهم هنا من كان المستهدف ولا ما يُساق من مبررات؛ فالنتيجة واحدة: خرق أمني خطير طال بلداً عضوًا في مجلس التعاون الخليجي، وأدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
لقد اعتادت المنطقة عند كل أزمة على بيانات إدانة جاهزة وعبارات تضامن منمقة، لكنها لم تعد تساوي قيمة الحبر الذي تُكتب به. فالمطلوب اليوم ليس المزيد من الكلام بل أفعال ملموسة توقف الانفلات وتعيد الاعتبار للأمن الجماعي الخليجي.
صحيح أن قطر سبق أن تجاوزت قصفًا صاروخيًا إيرانيًا، اتقاءً لانزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة، لكن ما حدث اليوم يختلف جذريًا. فإسرائيل تستعرض قدرتها على الضرب في أي زمان ومكان، مستندة إلى غطاء أمريكي كامل. والرسالة واضحة: اليد الإسرائيلية مطلقة، والمصالح الأمريكية مضمونة حتى ولو وصل الأمر إلى قصف عاصمة خليجية.
إن سماح واشنطن بقصف الدوحة رسالة إلى الخليج كله بأن أمن عواصمه لم يعد خطًا أحمر. فالإدارة الأمريكية وحليفتها إسرائيل لا تُبديان حرصًا على استقرار المنطقة، ولا يمكن الرهان على عقلانية قراراتهما. من هنا، يصبح التعاطي الخليجي مع الحدث في غاية الأهمية والدقة، بعيدًا عن سياسة دفن الرأس في الرمال.
الخيارات أمام مجلس التعاون ليست محدودة. فموارد دوله وموقعها الاستراتيجي يمنحانها قوة اقتصادية وجيوسياسية وازنة. لكن هذه القوة تبقى حبيسة البيانات إذا لم تتحول إلى مواقف عملية، تبدأ بتعزيز التنسيق الأمني والعسكري، ولا تنتهي عند استخدام أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي بما يضمن احترام أمن المنطقة.
لا أحد يدعو إلى مواجهة مباشرة مع أمريكا، لكن على واشنطن أن تدرك أن مصالحها في الخليج ليست مضمونة إذا سمحت بسياسات وأفعال تهز أمن دوله وتعبث باستقراره. والمطلوب أن تفهم القيادات الخليجية أن وحدة الموقف لم يعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية.
أما إذا اكتفت الزعامات الخليجية بتكرار عبارات الشجب والإدانة، فمن يدري أين ومتى سيكون الهدف القادم؟ إن لم نتعلم من الحدث ونتصرف بوعي وحكمة وحزم، فقد يتحول الخليج، لا سمح الله، إلى ساحة مفتوحة لكل من يريد العبث بمصيره. الوضع جد خطير، وما هو آتٍ أخطر.

زر الذهاب إلى الأعلى