المبشّرون بالجنة…

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

لم أرَ في حياتي أحدًا ــ وقد تجاوزتُ عتبة الستين ــ يحتفل بالمنصب أو النجاح كما يحتفل به أهلنا في عمان. وكلما كبر المسمّى الوظيفي ازدادت أصوات المهنئين وتعدّدت قنوات نشر التهاني.
أيام المسلمين الأوائل كان المرء يهرب من تولّي الوظائف العامة خوفًا واحتسابًا، حتى قيل: من طلب الإمارة لا يُوَلَّى. فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدًا سأله ولا أحدًا حرص عليه».
أما في زماننا هذا، الذي تعدّدت فيه وسائل النشر والاتصال، فقد صار طلب المنصب والتذلل لبلوغه أمرًا مشاعًا يتسابق الجميع ويتنافسون عليه. فإن تكلّلت المساعي بالنجاح وصدر المرسوم بتعيين وزير ما، هاجت البلاد وماجت بالقصائد والشيلات، وتدافع المتزلفون من كل فج، حتى إن فرحة المهنئين أحيانًا تفوق فرحة “صاحب المعالي” أو “السعادة” نفسه وأهل بيته الأقربين.
قد نتفهّم فرحة الأهل والجيران بتعيين وزير أو وكيل أو حتى مدير عام، على أمل أن تصيبهم ولو طشات من بركات المنصب وخيراته كما جرت العادة في تراثنا القريب والبعيد لكن ما الذي يُتوقَّع من التهليل لترقية ملازم ثانٍ إلى ملازم أول، أو من رئيس قسم إلى مدير؟! وعلى ذلك فقِس.
الأدهى والأمرّ أن بعضهم أصبح يسوّق جهارًا نهارًا لنفسه أو لأحد أبناء العمومة أو بناتهم، طمعًا في أن تلتقطهم العيون الراصدة لوسائل التواصل فيُسمَّون في منصب أعلى. وما يُقال في هذه العرضات ممجوج، وما يُروَّج له من إنجازات، يندى له الجبين؛ وكأن الوظائف العامة كعكة يتقاتل عليها الجميع، كما قال أحدهم ذات يوم.
لقد ضاع الإحساس بالواجب والمسؤولية، وتلاشى الخوف من ثِقل الولاية العامة، وأصبح الجميع يستجدي المنصب بأي طريقة ووسيلة بإعتبارها مغنم؛ لا ابتغاءً للثواب ولا خدمةً للوطن.
وفي هذا المعنى قال الشاعر:

الإمارة تكليفٌ ثقيلٌ حملُها
فلا تطلبنها فالخطوب جسامُ
إذا عدلتَ بها نعمتْ رعيَّتُها
وإن ظلمتَ فالدعواتُ سهامُ
وقال آخر:
من وليَ الأمرَ في الناسِ مُلْتَزِمًا
عدلَ الشريعةِ عاشَ الدهرَ محمودا
وإن تعدى وصار الظلمَ مذهبَهُ
صار العبادُ له بالكرهِ جنودا

زر الذهاب إلى الأعلى