العقول الجائعة أخطر من البطون الخاوية

✍️ خالد بن شاهين
من الأقوال المضيئة التي تحمل دلالات فكرية وتربوية عميقة ما ورد عن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، حيث قال:
“أن البطون إذا جاعت أكلت الجيف، وكذلك العقول إذا جاعت أكلت عفونة الأفكار، فلابد أن نملأ هذه العقول بالفكر النافع، وأحسن فكر نافع هو الإيمان بالله.”
هذه المقولة تكشف بوضوح أن الجوع لا يتوقف عند حاجات الجسد، بل يمتد ليشمل العقول أيضًا، وأن فراغ الفكر أخطر من فراغ المعدة. فالجوع المادي قد يدفع الإنسان إلى البحث عما يسد رمقه ولو كان ضارًا أو غير مقبول، لكن الجوع الفكري أخطر بكثير لأنه يفتح الباب أمام تسلل الأفكار المشوهة والمنحرفة، فيغدو العقل فارغًا متعطشًا يلتقط أي فكر مسموم.
إن هذه الرؤية تنبه بوضوح إلى أن تغذية العقول مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة وتمتد إلى المدرسة والجامعة والمسجد والإعلام وسائر المؤسسات الثقافية والتربوية. فالمجتمع بأسره معني بزرع الفكر النافع في نفوس الأجيال، وتحويله إلى درع يحصنهم من الانجراف وراء الشائعات أو الأفكار الدخيلة التي قد تهدد استقرار الأفراد والمجتمعات.
ولذلك جاء التأكيد على أن الإيمان بالله هو أعظم غذاء للعقل والروح، ليس باعتباره عبادة روحية فحسب، وإنما لأنه فكر نافع يرسخ القيم ويمنح الإنسان القدرة على التمييز ويوجهه نحو البناء والإبداع لا نحو الهدم والانحراف. وهنا تتجلى قوة العبارة التي تربط بين الإيمان والتفكير السليم كشرط أساسي لصناعة إنسان متوازن وفاعل في مجتمعه.
إن التحديات التي تواجهها المجتمعات اليوم تجعل هذه الرؤية أكثر إلحاحًا. ففي عصر الانفتاح الرقمي وسرعة تدفق المعلومات، تتعرض العقول الفارغة لمخاطر التطرف والتشدد، أو للوقوع في فخ الإلحاد والانحلال، أو حتى في براثن ثقافة الاستهلاك والسطحية. وكلها مظاهر تجد طريقها بسهولة إلى عقول لم تُشبع بالعلم والمعرفة والإيمان.
إن مقولة الشيخ القاسمي ليست مجرد تعبير بل قاعدة فكرية متينة تؤكد أن الفراغ الفكري أخطر من الجوع المادي، وأن المجتمعات لا يمكن أن تحافظ على تماسكها واستقرارها إلا إذا اهتمت ببناء العقول على أسس راسخة من العلم والقيم والإيمان. فالعقول الجائعة أخطر من البطون الخاوية، وغذاء الفكر لا يقل ضرورة عن رغيف الخبز.





