سالفة البقرة…

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

بادئ ذي بدء، ومن باب تأكيد المؤكد، أود أن أوضح أنني أحترم ديانة وعقيدة أي إنسان، مهما بدت لي غير مفهومة أو بعيدة عن المنطق والفطرة السليمة. فهذه الأرض التي استخلفنا الله فيها تعجُّ بآلاف الديانات والاعتقادات الغريبة التي قد لا يقبلها عقل أو منطق، غير أن لله في خلقه شؤون.
أقول هذا تمهيدًا للحديث عن المهرجان الديني الذي أقامته الجالية الهندوسية الهندية في حديقة العامرات، والذي أثار لغطًا وجدلاً واسعًا في الشارع العُماني، حتى خُيِّل للبعض أن جريمة كبرى قد وقعت، أو أن مثل هذا الحدث يحدث لأول مرة، وكأن الأمر يستدعي “نفيرًا عسكريًا”!
لقد كتبتُ في مقال سابق أن هناك جهات وأيادي خفية تعمل على تحريض الشارع العُماني ضد كل ما هو هندي، حتى بات البعض يظن أن هذه الجالية هي سبب كل ما يحدث في البلاد. لكن الواقع يقول غير ذلك تمامًا.
سواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما قيل أو فُعل من بعض أفراد هذه الجالية المحترمة، فإن الحقيقة الثابتة هي أن الهنود في عُمان – على مرِّ القرون – لم نرَ منهم إلا كل احترام وتقدير لهذه الأرض الطيبة وأهلها. فهم، كغيرهم من المقيمين، ساهموا بعقولهم وسواعدهم في بناء النهضة والتنمية التي نعيشها اليوم، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو صاحب هوى.
وعلى الرغم من أن الجالية الهندية هي الأكبر عددًا في السلطنة، فإنها تُعد من أقل الجاليات ارتكابًا للجرائم ومخالفةً للقانون من حيث النسبة والتناسب. بل إن هناك جاليات أقل عددًا – وبعضها يدين بالإسلام – تتصدر القوائم في المخالفات والانتهاكات، وهذا أمر يستحق الدراسة والتدقيق.
ثم من قال إن احتفالًا دينيًا هنا أو هناك يمكن أن يؤثر على عقيدة أبناء هذا الوطن؟ إن سماحة ديننا الحنيف وطيبة هذا الشعب الأصيل أقوى من أن تهتزّ لمشهدٍ عابر أو طقسٍ غريب. بل إننا نرى – كل يوم – مقيمين من ديانات مختلفة يعتنقون الإسلام بعد أن يلامسوا جوهره من خلال المعاملة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
إن من يريد لهذا الوطن الخير، وللإسلام أن يعلو على سائر الأديان، فعليه أن يدعو إليه بالتي هي أحسن، لا بالتزمّت أو التعصّب أو العنصرية. فالتشدد في الخطاب الديني والتكفير لا يجلب إلا الفتن، وقد رأينا كيف قادت مثل هذه النزعات إلى أفعال مؤسفة – كحادثة الوادي الكبير – التي يجب أن نتجاوزها ونعيد إلى الخطاب الديني العُماني اعتداله ووسطيته التي شكّلت هوية هذا البلد منذ أن أشرقت عليه أنوار الإسلام.
إن توجيه السهام نحو الأجانب والمقيمين لا يخدم الوطن ولا أبناءه، والتحريض على الآخر لمجرد اختلافه في الدين أو الجنسية لن يعود بالنفع على أحد. فالمقيم لا يأكل رزقك، ولا يحتل وظيفتك؛ وإن كانت لديك مشكلة في هذا أو ذاك، فابحث عن مكمن الخلل الحقيقي، لا في أعراضه.

زر الذهاب إلى الأعلى