محمد الزبير حين يكرم الأثرمن مسرح الكويت إلى مسرح عمان العربي

ابراهيم السالمي
كاتب وشاعر عماني

حين يختار الإنسان شخصية ثقافية، فذلك لا يكون لعاطفة أو لوهج لحظة، ولا لعدسة عابرة، بل لأنه ترك في الطريق ما يدل عليه بعد أن يمضي.
هكذا جاء تكريم معالي محمد الزبير، باختياره الشخصية الثقافية لمعرض الكويت الدولي للكتاب 2025، تكريم لا يحتفي بالاسم بقدر ما ينحاز إلى المنجز والإضافة والجديد والأثر الباقي والمسار الدايم، ولا يصفق للحضور والمنصب وإنما يستمع للعطاء غير المجذوذ وينصت للأثر غير المحدود.
وقد فاتني، لظرف خارج عن الإرادة، أن أكون حاضرا لحظة تكريمه في دولة الكويت الشقيقة، تلك اللحظة التي تكتمل فيها فرحة الكاتب بالمكان والحدث معا، بالوفاء والمحبة، بالود والورد والتقدير بما هو واجب. غير أن ما عوضني عن ذلك الغياب، وأكثر، هو دعوة بنك عمان العربي الكريمة للاحتفاء بهذا الحدث ذاته على مسرحه في مسقط، حيث جمع بنك عمان العربي بإدارته المعنى من طرفيه، فكان التقدير والاحتفاء بقامة ثقافية عربية وبقائد اقتصادي كان له دوره البارز في تأسيس البنك، وذلك معنى الوفاء بالفعل.
فالرجل الذي عرفناه في مواقع القرار، لم يكن يوما بعيدا عن الكتاب والأدباء والفنانين والمبدعين في كل فن، ولا غريبا عن الثقافة ومشاهدها بصورة عامة وبيت الزبير خير شاهد ودليل، ولا عابرا في دروب المنشغلين بالكتاب والكتاب بل هو الكاتب بعدسته جمال عمان في جبالها وسهولها وفن عمارتها. كان، في هدوئه المعهود، من أولئك الذين يؤمنون أن الثقافة ليست ترف الأثرياء، بل قوة اقتصادية ناعمة تقوم عليها الأوطان.
لم يكن مشروعه الثقافي صاخبا، ولا محتاجا إلى منابر عالية. كان أقرب إلى السلوك منه إلى الشعار، وإلى الفعل المتراكم منه إلى الإعلان. دعم المعرفة حين كانت تحتاج إلى من يحميها، وفتح للثقافة والمثقفين بيت الزبير حتى تتسع بهم الأمكنة وتعبر بهم الأزمنة، وآمن بأن الاستثمار الحقيقي هو ذاك الذي يودع في الإنسان قبل السوق.
وفي زمن صار فيه الحديث عن الثقافة ترفا، ظل محمد الزبير ينظر إليها بوصفها ضرورة وطنية، ورافعة للوعي، وميزانا خفيا لقياس نضج المجتمعات. لذلك لم يكن حضوره في المشهد الثقافي طارئا، بل ممتدا، هادئا، ومتسقا مع قناعته بأن التنمية التي لا تسندها الثقافة تنمو سريعا، ثم تخفت ببطء.
إن تكريمه في معرض الكويت الدولي للكتاب لم يكن احتفاء بمسيرة فرد فحسب، بل اعترافا بدور عماني عربي مشترك يرى في الثقافة جسرا بين العواصم، ولغة تسبق السياسة، وذاكرة تتجاوز الحدود.
هكذا يكتب اسم محمد الزبير في السجل الثقافي العربي لا بحبر المجاملة، بل بحبر الأثر ولا بضجيج الاحتفالات، بل بعمق الأثر والتأثير ومعناهما ومرماهما.

زر الذهاب إلى الأعلى