أوراق الخريف.. الشهيد هنية .. “اذا رحل سيد قام سيد”

د. أحمد بن سالم باتميرا
فتحت الأبواب على كل الاحتمالات بعد الاغتيالات التي حدثت في طهران، وضاحية بيروت الجنوبية ؛ فمن اتخذ قرار التصفية هو(نتانياهو) وليعلم يقينا ان قواعد الصراع قد تجاوزت الحدود والجيران ، وان الرد سيكون قاسيا سواء اليوم او غد.!
فالاربعاء الاسود ، لحماس اثر اغتيال الامام ، والصوت الاكثر اعتدالا وحكمة وخلقا ، الإنسان الشهيد اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس الذي قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران ، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان ، واغتيال فؤاد شكر ايضا يوحي بأن المعركة القادمة هي اغتيالات واغتيالات خارج الحدود.
فليس دفاعا عن إسماعيل هنية ابو العبد بشخصه ، ولا شكر ، ولكن تجريما لأي عدوان لكائن من كان ، فهنية لديه صفات القيادة والحكمة ، فاذا جالسته تحب الاستماع اليه ، ولا تقطع حديثه السلس ، فالرجل محب للسلام والأمان والاستقرار ، ومؤمن بأن القضية الفلسطينية ستحل على طاولة المفاوضات وبالحوار الجاد والتفاهم مع من يرغب بالسلام حقا ، وهو عكس الفكر والسلوك الإسرائيلي المجرم المستهتر بالدول والشعوب خاصة حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية المتطرفة.
فهذا السلوك الإسرائيلي الوحشي، لا يستهدف إسماعيل هنية فحسب ، ولا حماس فقط التي اختلف كليا مع ايدولوجياتها الفكرية ، لكن هو رسالة لكل العرب والعالم ، بأن اسرائيل هي المسيطرة وهي مجلس الامن ، وهي تدرك تماما ما ترمي إليه من وراء هذه الاغتيالات والحروب ، عبر تصعيد وحشي وخطير لا يمكن تبريره أو قبوله على الإطلاق تحت أي ذريعة من الذرائع ، لذا لن يكون أبو العبد آخر شهداء هذه الأمة او شهداء فلسطين – نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا – بل نعتبره أحدث من انضم لركب الشهداء الذي لن يتوقف حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ، وكما قال المغفور له في اخر حديثه في طهران البيت الشعري “اذا رحل سيد قام سيد” ، فالامة ولادة ، والنصر قادم لا محاله.
ومع ذلك فان الجريمة الشنيعة في طهران وبيروت ، والتصعيد الخطير ، لاسرائيل وحلفائها ، في استمرار الاغتيالات ، والحرب على قطاع غزة وجنوب لبنان والاعتداء على سيادة الدول، هي انتهاكات خطيرة للقانون الدولي والإنساني، فاين هي المواقف العربية والدولية الداعمة للقضية الفلسطينية من كل هذه المشاهد من الاغتيالات والوفيات والاعتداءت على النساء والأطفال واستهتار فاضح بحياة المدنيين ، اين موقف الدول الكبرى في مجلس الامن خاصة (الصين وروسيا) التي نتوقع منهما الكثير والكثير لنصرة الحق واحترام القانون واستبباب الامن والاستقرار العالمي.
إن خبر اغتيال هنية ، لن يوقف اهداف فلسطين ولا اهل غزة عن تحقيق النصر، فهؤلاء يعشقون الموت ، والطريق الذي سار عليه من قبله في المقاومة الفلسطينية، هو الطريق الصحيح الذي ينبغي البقاء عليه وعدم الانحراف عنه ، الجهاد ماض إلى يوم الدين، وستظل شعلة النضال مستمرة حتى تحقيق النصر المبين وعودة المهاجرين لوطنهم.
فلا اسرائيل ستنتصر وتعيش بامان بدون اتفاق سلام ولو بعد حين ، ولا امريكا حليفتها الأولى ستحظى بمكانتها في الشرق الاوسط والعالم كما كانت قبل السابع من اكتوبر الماضي الا بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس.
المرابطون مستمرون دفاعا عن قضيتهم وارضهم ، والقيادة الفلسطينية مستعدة للحوار والقبول بالحلول الدبلوماسية ، ونامل ان يكون حوار واتفاق الفصائل الفلسطينية في بكين بداية للوحدة والاتفاق على راي واحد لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. لان المصالحة بين كل الفصائل هي بداية لتسوية الصراعات الداخلية ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية اصبحت عاجلة ، اليوم قبل الغد ، لإنهاء الصراع على الكراسي المختفية خلف الستار، والاعلان الآن عن حكومة وطنية واحدة يجعل الرئيس محمود عباس يأمن للمرحلة القادمة ، ويجعل من التفاوض الفلسطيني قويا مع الاخرين.
ما جرى من اغتيالات ، هو درس لكل العرب بأن إسرائيل اصبحت دولة فوق القانون وصواريخها يمكن أن تضرب في اي مكان دون مبالاة او خوف من قرار اممي ، او دولة عظمي او حرب ، وستظل تقوم بدور الضحية والادعاءات والكذب ، كما شاهدنا في حفلة الكونجرس الامريكي ، ولكن هذه الأكاذيب ستكون لها نهاية ، والنظام الدولي الانفرادي الذي كان سائدا في الماضي أثبت فشله ، ولن يعود..!
فيا أهل فلسطين في كل البقاع ، اتفقوا واتحدوا قبل سقوط غزة وغيرها ، فالصراع لم ينته بعد ، وعلينا الا ننخدع بتصريحات امريكا وغيرها بقيام دولتين ، فقد آن الأوان للتحدث بصوت عال ومسموع كحكومة واحدة وكعرب لحصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة ، ولن نترك للاسرائيليين هم الذين يحددون مستقبلنا ، فاغتيال الشهيد أبو العبد وشكر ، هي سبب لايقاظنا ، كما كانت حرب غزة السبب لمعرفة قوة المحتل ، وهكذا هي الحياة ، جهاد واستشهاد ونضال، فرحل قائد وسينهض قائد وفلسطين ولادة..!
فلسطين دولة عربية اسلامية ، لذا علينا ان نفرق بين الادانات والاستنكار بين اذن ترامب وبين استشهاد قائد عربي مسلم ومعتدل في آرائه واطروحاته ، وستبقى فلسطين قضيتنا الاولى حتى التحرير … والله من وراء القصد.
د. احمد بن سالم باتميرا
كاتب ومحلل سياسي عماني
batamira@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى