أوراق الخريف.. هل انتهت المسرحية يا شام أم للقصة بقية؟!
د. أحمد بن سالم باتميرا **
انتهى السيناريو، واتفق الكبار على التنفيذ بعد أن فشلت في الأعوام الماضية كل المحاولات، مسرحية أسقطت سوريا من القائمة، وكسب رهانها العدو الإسرائيلي وأمريكا وحلفاؤها، مسرحية لا نعرف نهايتها، هل هي سوريا بوجه جديد ومستقبل واعد، أم سوريا الفوضى والتقسيم؟!
بعد الإطاحة ببشار الأسد، سلميًا دون إراقة دماء- حسب المُخطط- دخلت الجيوش والمعارضة، حمص وحلب ودمشق، لاستلام القيادة مع ترحيب شعبي، وفي نفس الوقت قام المحتل الإسرائيلي بالقضاء على ما تبقى من سوريا من خلال شنه نحو 480 هجومًا على سوريا خلال 48 ساعة؛ ليقضي على الجيش السوري وأسلحته الإستراتيجية وقوته والبنية التحتية الباقية لبلد عربي، مما يشكل انتهاكًا لاتفاق فض الاشتباك الذي وقعته إسرائيل وسوريا في عام 1974 وللقانون الدولي.
وشُكِّلت حكومة مُؤقتة في سوريا، وأرسلت رسائل بأنها انتقالية حتى الأول من مارس المقبل، ولكن الفصائل العسكرية التي ساهمت في تنفيذ السيناريو والدول الداعمة لها والتي اتفقت على السيناريو والمهمة، من المؤكد أنها ستُطالب بجزء من الكعكة، ولا يمكن استبعاد احتمال نشوب صراعات داخلية، والتي نأمل ألّا تتحقق، خاصةً وأن عدة لاعبين داخل وخارج سوريا ينتظرون الاقتراحات الأمريكية والروسية في المقام الأول، ومن ثم تركيا وإيران.
لا روسيا يمكن أن تُضحِّي بسوريا دون الحفاظ على أصولها العسكرية هناك، ولا أمريكا يمكن أن تنسحب من مناطق النفط والغاز، وتركيا لن تتراجع عن ما تسميه “تأمين حدودها”، وكذلك العدو الصهيوني المستفيد الأكبر، ومن الصعب أن تلعب إيران دورًا محتملًا في سوريا في الوقت الحالي.
باختصار، رغم الانتقال السلس للسلطة بعد الإطاحة بالرئيس السوري دون صراع ومعارك واقتتال وهو من إيجابيات السيناريو العالمي، إلّا أن اختيار رئيس توافقي صُنِع في الخارج، لن يكون مقبولًا من كل الأطراف المجروحة، أو القلوب المكلومة، خاصة بعد أن تكشفت الأمور وسقطت أوراق التوت. فما حدث في سوريا، واتفاق كل الأطراف المشاركة على تحقيق مصالحها في المقام الأول، بعيدًا عن القانون الدولي بدقة متناهية، لا يجعلنا كقادة وشعوب عربية وإسلامية أن نتجاهل هذه الأحداث أو ننسى ما يُحاك ضدنا.
لقد رفض بشار الأسد كل المحاولات السابقة للتغيير والتجديد والمصالحة، قرار مجلس الأمن 2254، والتطبيع مع إسرائيل، وقاوم ثورات الربيع العربي، والإرهاب وداعش، ودعوات كثيرة عربية ودولية منها الإيجابي ومنها السلبي، حتى التنحِّي عن السلطة أو الانقلاب الشكلي، ولم يجد إجابة على كل استفساراته الأخيرة من حلفائه قبل سقوطه.
ولكل شيء نهاية، إذا ثارت الشعوب لا تنفع الجيوش في المقاومة، ولا حتى مساعدة الحلفاء، فسقطت سوريا لهذه الأسباب، واكتمل الاتفاق على خلع الرئيس الذي يتحمل جزءًا من المسؤولية عن الأوضاع التي وصلت إليها البلاد والعباد، لذا نأمل أن يكون مستقبل السوريين بيد السوريين أنفسهم اليوم، وأملنا كبير في العقلاء والحكماء بالوقوف ضد الصهاينة ومخططاتهم الخبيثة في المنطقة وفلسطين.
سقوط دمشق، لن تتوقف تداعياته إذا لم نستوعب الدرس، وستُظهر الأيام المقبلة الكثير من مما لا نعلمه، وربما يتجاوز بكثير ما يعلمه الجميع، فالإرادة القوية للحرية كسرت الظلم والاستبداد، والحرية ليست هبةً تُمنح؛ بل حق يُنتزع، وكانت أمام بشار فرصة سانحة لكتابة التاريخ لو طبَّق قرار مجلس الأمن واستمع للعقلاء وليس الحلفاء.
اليوم.. سوريا الكرامة والحرية أمام تحدٍ قادم، فلا تتنازعوا يا أهل الشام على السُلطة، وتُشعلوا حربًا أهلية؛ فالتحديات الإقليمية والدولية كثيرة، وعليكم ببتر الخلافات المذهبية بالعدل والمساواة، ومحاربة الفقر، لأن ذلك يعني نجاح ثورتكم، إن كنتم أصحابها وقاداتها.
لا يمكن للدول العربية أن تبقى مُتفرِّجة، فيما الأنواء تتلاطم حولها من كل حدب وصوب، خصوصًا وأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستكون مزعجة للجميع، من حيث تشكيلتها المعلنة؛ فالتطورات والتحديات تزداد تعقيدًا، ومع كل هذه الخسائر المتتالية، يوحي الوضع بأن ما حدث في سوريا هو ضمن المخطط الصهيوني الأمريكي لإضعاف الدول العربية والسيطرة على ثرواتها الطبيعية.
مستقبل المنطقة غامض ومجهول، وما أحدثته وافتعلته حكومة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالجيش السوري وتدميره وتشتيته في الايام الماضية لا يحتاج لتصريحات أو تنظير. وعلى على الدول العربية أن تتحد وتقف صفًا واحدًا أمام هذا الخطر القادم. ودون تكاتف الجميع فإن الأمر سينتقل رويدًا رويدًا لدول أخرى، وسيُسمح للقوى المعادية للاستمرار في هجومها ومختطاتها؛ فالأطماع ليست في سوريا وأمنها واستقرارها فقط، وإنما ما بعد سوريا.
على الحكومة السورية الجديدة والشعب السوري، أن يدركوا جميعًا أن هذه الحرب والتصعيد، لتفكيك اللُحمة الوطنية وخلق الفتنة، وصب الزيت على النار، وعليهم أن يُدركوا تمامًا أن تضامنهم ومواجهة أعدائهم هو طريق النصر، وأن الحوار الصادق والسياسي يبدأ من داخل دمشق عن طريق الجلوس على طاولة واحدة؛ فالمسوولية جسيمة، ومهما كان حجم التنازلات والتقارب لمصلحة الوطن، يجب أن يكونوا يدًا واحدة ضد أعدائهم حتى لا تتحول بلادهم إلى أرض محروقة، كما يحدث الآن في دول أخرى في المنطقة والعالم.
فهل انتهت المسرحية أم للقصة بقية يا أهل الشام؟ القرار في أييدكم ورهن حكمتكم، وكما يُقال في الأمثال “إذا ما تحزمت طاح وزارك” واللبيب بالإشارة يفهم!
والله من وراء القصد.