أوراق الخريف.. الأهداف الصهيونية والتوسعات الإقليمية

د. أحمد بن سالم باتميرا

بين “الوعد الصادق 3″ الإيراني، و”الأسد الصاعد” الصهيوني، دلائل وإشارات قوية بأن المنطقة مقبلة على أوضاع صعبة، تجاوزت المذهبية، وأصبحت تحتاج للمّ الشمل سياسيًّا وأمنيًّا، فالقتال بين إيران وإسرائيل هو بداية لتحقيق “الشرق الأوسط الجديد”، السيناريو الصهيوني الماسوني والذي يُدار من تل أبيب وبدعم أمريكي وغربي علينا الحذر منه.

فإطلاق الجمهورية الإسلامية الإيرانية “الوعد الصادق” هو رسالة للعالم أجمع بأن طهران قوة لا يُستهان بها، وعقيدتها حاضرة لمواجهة أي عدوان، والضربات الإيرانية في العمق الإسرائيلي رسالة بأن العدو ومن يقف معه سينال الجزاء، والدفاع عن الوطن والشعب – رغم الضربة الصهيونية التي خلّفت عددًا من القتلى والشهداء – لن يذهب سُدى، وهذا حقهم الشرعي!

فالقتال، الهدف منه السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله، وليس إيران فقط، وليس وقف البرنامج النووي، الذي تملك تل أبيب رؤوسًا عديدة منه. فإسرائيل ومن خلفها المموّلون والداعمون لها، يرغبون في قيادة العالم، وأن يكونوا أصحاب القرار النافذ والسيطرة على الدول العربية والإسلامية الكبرى في المنطقة، وإذا حدث ذلك، فأسوأ السيناريوهات لم يحدث بعد، واللبيب بالإشارة يفهم!

ومن هنا، فإن الاتصالات التي أجراها جلالةُ السلطان المعظم، ومعالي السيد وزير الخارجية، المكثفة مع عدد من نظرائهم في الدول الشقيقة والصديقة، تأتي في إطار المساعي الدبلوماسية لاحتواء التوتر والتصعيد العسكري الخطير في المنطقة، والذي تسببت فيه إسرائيل باعتداءاتها المباشرة على الأراضي الإيرانية، وأهمية وقف العدوان وردع المعتدي باستخدام الوسائل السلمية المستندة إلى القانون الدولي والعدالة، من أجل حقن الدماء، ووقف التدمير، والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها والمصالح العليا لشعوبها.

واليوم، على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تعيد حساباتها، وتقرأ ما بين السطور. فما حدث يوم الجمعة كان قاسيًا عليها، وتفاصيل الخدعة التي روّج لها الاحتلال قبل الضربة بيومين، أعطت انطباعًا بأنه لا يوجد عمل عسكري وشيك، وعدم التجهيز للضربة الاستباقية للأهداف النووية والشخصيات العسكرية. ومع ذلك، عادت إيران للردع القوي بعد أن تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء والقرارات الدولية، ونسفت المفاوضات الثنائية الأمريكية-الإيرانية.

لذا، فالقتال يمكن أن يتحوّل إلى حرب ومواجهة طويلة الأمد، وعلى إسرائيل أن تتحمّل مسؤولية انتهاك سيادة إيران، وأن تتحمل تبعات القتال أمام المجتمع الدولي، خاصة وأن كل ذلك يحدث أمام علم ومرأى المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا على دراية تامة بالوضع والمخططات الصهيونية.

والعالم يتفرج، يندد ويستنكر، والرئيس الأمريكي يصف العملية بأنها “هجوم ناجح للغاية”، شيء غريب وعجيب! ومن هنا، كيف يمكننا تخيّل المقبل من الأحداث؟ وكيف سيكون الوضع في المنطقة والشرق الأوسط بعد التصريحات الغربية والأمريكية؟ فمنذ حرب غزة، وما تبعها من اغتيالات وحروب وسقوط أنظمة وتدخلات وقرارات، أوضحت بأن القادم أسوأ وأسوأ!

فالهدف القادم ليس النووي الإيراني، وليس تقليم مخالب إيران، فمن يضمن ألا تكون لهذه العمليات تداعيات وتفاعلات قادمة؟ وإيران دولة يحق لها أن تدافع عن سيادتها ولن تسكت، وكان ردّها قويًّا ومؤلمًا، ولن تنجو إسرائيل من عمليتها إلا بوقف القتال والتصعيد، واللجوء للحلول الدبلوماسية.

وكل ما ذكرته الدول الكبرى والصغرى في مجلس الأمن لا يُسمن ولا يُغني من جوع، فالأبيض أبيض، والأسود أسود. فقد أُسقطت الأقنعة منذ السابع من حزيران في غزة، وهي تتوالى، فلا مصلحة لإيران في امتلاكها قنبلة نووية للدفاع عن نفسها إذا ما تعرّضت لعدوان خارجي، ولا نرضى – في المقابل – بامتلاك إسرائيل لقنبلة نووية كاستثناء من بين دول المنطقة. وهذا ما يجب أن تفهمه دول المنطقة: لا تنازلات، ولا سيطرة إسرائيلية، والعمل كفريق واحد على تطويق أهداف الصهيونية والماسونية وتوسّعاتها الإقليمية.

فالاحتمالات كلها مفتوحة أمام هذه المواجهة، وقد يكون من السذاجة القول إن ما يحدث اليوم هو نهاية المطاف، بل هو البداية، لتقليم أظافر نتنياهو وحاشيته. فالجرح كبير، ولن يندمل دون ضربات إيرانية انتقامية موجعة، بعد مقتل أكثر من عشرين من كبار قادتها العسكريين والمدنيين، وتسعة من أبرز علمائها في المجال النووي، والاختراق الإسرائيلي لها. فالحرب مختلفة وغير تقليدية هذه المرة، وعلى اللاعبين الرئيسيين التدخل لوقف القتال قبل أن يتعدى إلى الفضاء العربي والإسلامي برمّته. وإذا كانت إسرائيل قد استطاعت اختراق الجغرافيا الإيرانية، فالعكس صحيح أيضًا، فإن التحدي القادم قد يكون اختراق المنطقة من قبل الصهاينة والوصول لأبعد من إيران، وهو ما يستوجب اليقظة العربية والإسلامية على السواء.

والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا
كاتب ومحلل سياسي عماني
batamira@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى