البحث عن القوة مع مرض العصبون الحركي

بقلم: ناصر بن سلطان الطوقي

مقدمة

رأيت في نشر هذا المقال واجبًا إنسانيًا أكثر من كونه تجربة شخصية، رغبةً مني في توعية الناس بهذا المرض النادر، ومشاركة الدروس التي تعلمتها خلال رحلتي معه. وقد جاء هذا القرار بعد تشاور كريم مع ابن عمي الكاتب الصحفي حمود بن علي الطوقي، الذي أكنّ له كل التقدير، إذ شجّعني بكل صدق على أن أضع هذه التجربة في متناول الجميع، لعلها تزرع في النفوس الأمل والإيمان والطمأنينة.

أكتب اليوم وأنا أؤمن بأن الإيمان بالله هو أعظم وسيلة للتعايش، وأن ما يقدّره الله لنا هو لحكمةٍ يعلمها وحده، وأن القرب منه يمنح القلب سكينة لا تُقدّر بثمن. فالله هو الشافي والمعافي، وبه تستمد النفس قوتها على الصبر والرضا.
ولعل هذه الكلمات تكون رسالةً بسيطة مفادها: لا يأس مع الحياة، ما دام في القلب إيمان.
بداية. المرض ومرحلة التقبل

في أكتوبر 2023، تم تشخيصي بمرضٍ عصبي يُعرف باسم مرض العصبون الحركي (MND)، وهو اضطراب تنكّسي تدريجي يصيب الخلايا العصبية المسؤولة عن التحكم في حركة العضلات. ومع مرور الوقت، تتوقف الإشارات الصادرة من الدماغ عن الوصول إلى العضلات، فتضعف وتتصلب، مما يؤدي إلى صعوبة في المشي والكلام والتنفس.
يُعد هذا المرض نادرًا ولا علاج شافٍ له حتى الآن، وغالبًا ما يجعل المريض أكثر اعتمادًا على من حوله. لذلك، يصبح التعلّم والتكيّف مع الواقع الجديد جزءًا أساسيًا من رحلة العلاج. وربما لا يعني هذا الاسم شيئًا لكثير من الناس، إلى أن يصيب أحد أحبّتهم. أما بالنسبة لي، فقد أصبح واقعًا أعيشه كل يوم.

التشخيص الذي غيّر حياتي

على مدى عامين، خضعتُ لسلسلة طويلة من الفحوصات وزيارات الأطباء، إلى أن جاءت تلك اللحظة التي لم أكن أتوقعها:
“أنت مصاب بمرض العصبون الحركي… ولا يوجد له علاج.”
شعرت حينها وكأن بابًا ثقيلًا أُغلق في وجهي. لم أستطع استيعاب الصدمة، لا نفسيًا ولا عاطفيًا. قبل ذلك اليوم، لم أكن قد سمعت بهذا المرض من قبل. بدأت أبحث وأسأل، لكن الإجابة كانت واحدة: إنه مرض يتقدّم تدريجيًا، يدمّر الأعصاب التي تتحكم في العضلات، فيأخذ من الإنسان الحركة والكلام والاستقلالية، لكنه يترك عقله في كامل وعيه — جسد يضعف، وروح تبقى حبيسة داخله.
بدأت العلامات الأولى خفيفة: رعشات في العضلات، وتشنجات، وإرهاق غير مبرر، وثقل في الكلام. ظننت أن السبب هو التعب أو تقدّم العمر. لكن الأمور تسارعت. أصبح المشي صعبًا، والتنفس أكثر مشقة، واضطررت لاستخدام جهاز تنفّس أثناء النوم. كانت تلك بداية سلسلة من التغيّرات المتتابعة — كل فقدان لوظيفة يقود إلى آخر، حتى وجدت نفسي أمام ما أسميه اليوم “الواقع الجديد”، واقعٌ تعلّمت أنا وأسرتي التكيّف معه خطوة بخطوة.
لاحقًا أدركت أنني لست وحدي. فهناك نحو نصف مليون شخص حول العالم يعانون من هذا المرض، والعدد في تزايد. وقد ساهمت شخصيات معروفة، مثل البروفيسور ستيفن هوكينغ، في لفت أنظار العالم إلى هذا التحدي الإنساني الكبير. ومع ذلك، ما زال كثيرون يجهلون وجوده.
في عُمان والمنطقة العربية عمومًا، لا يزال مرض العصبون الحركي غير معروف على نطاق واسع. يواجه المرضى تأخرًا في التشخيص، وندرة في خيارات العلاج، وأحيانًا عزلة اجتماعية قاسية. لذلك أؤمن بأن نشر الوعي أمر أساسي — ليس فقط للكشف المبكر، بل لبناء منظومة دعم نفسي وإنساني للمرضى وأسرهم.

الحياة قبل وبعد المرض

قبل الإصابة، كانت حياتي مليئة بالحيوية. كنت أمارس الغولف، وأسافر، وأقضي أوقاتًا جميلة مع العائلة والأصدقاء. عملت في شركة تنمية نفط عُمان لأكثر من 21 عامًا في مجالات الجيولوجيا والإدارة، وكنت أعيش حياة غنية بالإنجازات والعلاقات الطيبة.
لكن بعد التشخيص، تغيّر كل شيء. تراجعت الخطط والطموحات، وأصبحت المهام البسيطة تحتاج جهدًا هائلًا ومساعدة مستمرة. ومع ذلك، أعتبر نفسي محظوظًا للغاية. فقد أنعم الله عليّ بزوجة محبة، وأبناء رائعين، وعائلة ممتدة تُحيطني بالدعم والرعاية. وأنا ممتن لهذه النعمة العظيمة التي تُعينني على الاستمرار.

تعلُّم القبول واكتشاف معنى جديد للحياة
منحني المرض نظرة جديدة للحياة. كنت دائمًا الشخص الذي يساعد الآخرين، والآن أصبحت الشخص الذي يحتاج المساعدة. في البداية كان القبول صعبًا، لكن مع مرور الوقت، أدركت أن مواجهة الحقيقة بشجاعة هي أول خطوة نحو التوازن والسلام الداخلي.
تعلمت أن أجد الجمال في التفاصيل الصغيرة — في حديثٍ مع أحد أحبّتي، أو وجبة أشاركها مع عائلتي، أو لحظة غروب هادئة. كما بدأت أبحث عن أنشطة تمنحني شعورًا بالإنجاز: صنعت بعض قطع الخشب لحديقتي، وبدأت بتحويل الأشرطة العائلية القديمة إلى نسخ رقمية. تلك التجارب البسيطة أعادت إليّ معنى الخلق، والإبداع، والأمل.

القوة في الدعم والتواصل

أحد أهم الدروس التي تعلمتها هو ألا أشعر بالحرج من الاعتماد على الآخرين. السماح لعائلتي بمساعدتي علّمني وعلّمهم معًا الصبر والرحمة. كما عملت على تثقيف نفسي حول طبيعة المرض وطرق التعامل معه.
التواصل مع مرضى آخرين ومقدمي الرعاية لهم كان مصدر إلهام كبير. تبادل الخبرات حول كيفية تسهيل الحركة في المنزل، أو اختيار الأجهزة المساعدة، أو التغلب على العقبات اليومية، منحني طمأنينة وشعورًا بالانتماء. أدركت أن المرض ليس فقط عن الخسارة، بل عن المرونة والإبداع والإنسانية.

اختيار الأمل

لا أعلم ما الذي يحمله الغد، لكنني أعلم شيئًا واحدًا:
سأواصل العيش بهدف، وسأشارك قصتي، وسأسعى لنشر الوعي بمرض العصبون الحركي وغيره من الأمراض المزمنة.
قد يكون هذا المرض قد أضعف جسدي، لكنه لن يسلب إرادتي في الحياة.
فالإيمان والأمل هما القوة التي تُبقي الروح حيّة مهما اشتدّ الألم.

مقترح عله يجد صدى

اود قبل ان اختم مقالي بوضع هذا المقترح من وصله هذا المقال او قرأ او يعاني من نفس أعراض هذا المرض واقترح بأن فكر في تأسيس منصة على شبكات التواصل الاجتماعي ( فيسبوك- X – واتساب ) ليكون بمثابة تجمع نتحاور حول هذا المرض ونبحث عن حلول قد تكون مفيدة لنا جميعا على ان نفكر مستقبلا. في تاسيس جمعية معنية للتوعية ومساعدة المصابين وقد اطّلعت على تجربة ماليزيا التي اثلجت صدري وارى كشخص مصاب مهم للمساعدة وتقديم التوعية اللازمة
ونسال الله ان يحفظ الجميع .

زر الذهاب إلى الأعلى