الاستثمار الخارجي بين التنويع المشروع وسرقة المال العام

✍️ خالد بن شاهين
في زمن العولمة أصبحت عبارة “تنويع الاستثمار” شعارًا متكررًا على ألسنة الحكومات والمؤسسات المالية. لكن خلف هذه العبارة البراقة قد تُخفى أحيانًا ممارسات غير نزيهة تهدف إلى تهريب أموال الشعوب وسرقة الثروات تحت غطاء القانون. فالاستثمار الخارجي الذي يُفترض أن يكون وسيلة لحماية احتياطيات الدول وتنمية العوائد، قد يتحول إلى بوابة مفتوحة لنهب المال العام، تمامًا كما يقال في المثل الشعبي : “فص ثوم وذاب”.
آليات الاستغلال تحت مظلة الاستثمار
تتعدد طرق تحويل الأموال إلى الخارج بواجهات استثمارية، من بينها إنشاء شركات واجهة في ملاذات ضريبية تُسجل باسم وكلاء أو مقربين، أو الإعلان عن استثمارات ضخمة تتعرض لاحقًا لخسائر مفاجئة وغير مبررة. أحيانًا يُستخدم “الاستثمار” كذريعة لبيع أصول عامة أو خصخصة مشاريع وطنية لصالح شركات مرتبطة بمسؤولين، لتتحول الأموال إلى ملكيات خاصة خارج الوطن. وفي حالات أخرى يُعلن عن قروض واستحواذات لا يُسترد منها شيء، بينما الحقيقة أنها كانت مجرد مسار قانوني لسرقة الأموال.
الإيجابيات حين تكون الإدارة نزيهة
لا يمكن إنكار أن للاستثمار الخارجي جانبًا إيجابيًا إذا أُدير بشفافية، فهو يحمي احتياطيات الدول من المخاطر المحلية، ويفتح أسواقًا جديدة، ويعزز التنوع الاقتصادي. غير أن هذه المنافع تبقى مرهونة بوجود مؤسسات رقابية قوية، وقوانين واضحة تضمن أن كل مبلغ يُستثمر يعود بالنفع على المواطن لا على جيوب الفاسدين.
الآثار السلبية حين يُستغل الاستثمار للسرقة
عندما يُستخدم الاستثمار كغطاء للفساد، تظهر آثار مدمرة على المدى القريب والبعيد: نزيف في الاحتياطيات المالية، تراجع الخدمات العامة، ارتفاع الدين العام، وانخفاض الثقة في المؤسسات. على المستوى الاجتماعي يتولد الإحباط والشعور بالظلم، بينما يتأثر الاقتصاد بضعف العملة وارتفاع التضخم. والأخطر من ذلك أن الدولة قد تخسر سمعتها الدولية، وتواجه قضايا أو عقوبات نتيجة فقدان المصداقية.
الإعلان عن الخسائر والإفلاس: ستار للفساد
لقد شهدت عدة تجارب حول العالم اختفاء أموال ضخمة تحت غطاء الاستثمار، ثم أعقبها الإعلان عن خسائر أو إفلاسات واسعة. هذه الإعلانات غالبًا ما تكون ستارًا لإغلاق الملفات وتبرير ضياع الأموال، بينما تكون الحقيقة أنها تحولت إلى حسابات خاصة أو مشاريع شخصية بعيدة عن أعين الرقابة. والنتيجة النهائية أن المواطن هو من يدفع الثمن، عبر فرض ضرائب جديدة أو تقليص الخدمات العامة، بينما تبقى المسؤولية الحقيقية غائبة.
الاستثمار الخارجي سلاح ذو حدين. يمكن أن يكون بوابة للتنمية وحماية للاقتصاد، أو أداة للنهب وسرقة المال العام. الفارق بين الحالتين يكمن في كلمة واحدة: الشفافية. فإذا غابت الرقابة والحوكمة تحولت أموال الشعوب إلى “فص ثوم وذاب”، لا يُعرف أين تبخرت ولا من استفاد منها، بينما تُعلن الخسائر والإفلاسات كواجهة لتبرير ضياع ثروات كان من حق الأجيال أن تنتفع بها.





