يُقاسُ على الرّجالِ

شعر : حمد الراشدي
يُقاسُ على الرّجالِ إذا أَصابوا
ويُفْحِمُكَ الرِّجالُ بهمْ صَوَابُ
وإنَّ الرَّأيَ تِلْوَ الرّأيِ يَأتي
بُعَيْدَ الفِكْرِ يُجْمِلُهُ خِطابُ
وإنَّ الرَّأيَ بالإخلاصِ يُبْنَىٰ
على عِلْمٍ ولِلفَحْوى نِصابُ
ولا يُبْنىٰ على نَزَقٍ وجَهْلٍ
فقدْ يَطْفو كما يَطفو الحَبابُ
نِهايتُهُ على سَطْحٍ حَبيسٍ
كسَطْحِ الكأْسِ ليسَ لهُ عُبابُ
ولٰكنْ في عُيونِ الشَّرْبِ دُرٌّ (١)
وقد مَرِعتْ لدى الشَّرْبِ اليَبابُ (٢)
على مُتَعٍ مِنَ الأيّامِ يُلْفىٰ
ذَوُو الفِيهِ المَريضِ لهمْ رُضابُ
كإلْغامِ البعيرِ إذا تَحَمَّى (٣)
وقَدْ غَضِبَ البَعيرُ ولا لُبابُ
ورأيُ العاقلينَ لهُ بِناءٌ
ورأيُ الجاهلينَ لهُ خَرابُ
جَميلُ الرأي مِنْ دِيَمِ الغَوادي (٤)
إذا انْسَجَمتْ فقدْ صَفَتِ القِرابُ
وأجْمَلُهُ متى ما كان صِدْقًا
وفي عُمْقِ الفؤادِ لهُ طِنابُ
وأحْسَنُهُ كَما الماويِّ وجْهًا (٥)
ولا خَلْطٌ أَعابَ ولا اتِّشابُ
وأخْلَصُهُ النَّزيهُ بلا ارْتِدادٍ
على المُدْلي ، ولا يُرْجى ثَوابُ
وأنْفَعُهُ العميمُ بلا اخْتصاصٍ
لِمنَ يَدُهُ تَألَّفَها الخِضابُ
يَقولُ النّاظِرون على اعْتِناءٍ
لِما يُبْدىٰ ، لَهُ الإخْلاصُ بابُ
تُطالِعُنا المُتونُ بما تَجلَّتْ
بأخْبارٍ ، ويُبْهِرُنا الحِسابُ
وتُبلِغُنا العُلومُ بلا ” عُلومٍ ” (٦)
وتُثْقِلُنا الهُمومُ ولا نُهابُ
ونَطْرُقُهُ الحصيفَ لِكيْ يُنادي
على الأفكارِ تَحْرُسُها رِقابُ
ويُسْعِفُنا بها الآراءُ حَلّتْ
وقد عَزَّتْ كما عَزَّ الجَنابُ
نُقَلِّبُها بِنورِ الصُّبْحِ بانتْ
كإشْراقٍ بِهِ هُشِمَ الضَبابُ
ولا تَبْقىٰ لَدَيْنا رَهْنَ صَدْرٍ
ونُخْرِجُها فَتَلْقاها رِحابُ
مِنَ النُّهْيَاتِ تَعْرِفُها مَلِيًّا (٧)
هُناك العَقْلُ ليسَ لهُ حِجابُ
فما لَبِثتْ بُرَيْهاتٍ فَشَعَّتْ
بضَوْءِ الرّأْيِ يَقْبِسُهُ شِهابُ
يَعُمُّ سَنًا على السّاحاتِ حتّى
يُغاثُ بهِ كما غاثَ السَّحابُ
رشادَكَ ، كم بِصِدْقِ الرّأيِ قامتْ
على الإحكامِ ما مالتْ قِبابُ ؟
ورأيُ الجَمْعِ إنْ سَدُّوا حَصانٌ
إلى التنْزيل يُدْنِيهِ انْتِسابُ
متى يَلْقى مِنَ الآذانِ وَعْيًا
فذاكَ الرُّشْدُ ما وَسِعَ الكِتابُ
ومِنْ رَشَدٍ بأنْ يُولَى اهْتِمامًا
فقدْ سَهُلَتْ بذا الوَلْي الصِّعابُ
ويَحْميها الفرائصَ يَوْمَ خَوْفٍ (٨)
ويُرْديها إذا هَجمتْ ذِئابُ
وإنَّ العُدْلَ إنْ نَظروا تَراهُمْ
إلى الإحْسانِ سَيَّرَهمْ ذَهابُ
وقَدْ تَلِدُ المسائلُ عاشقِيها
وشاقَتْهمْ ، لها يَحْلو طِلابُ
وما انْفَكّوا بها وُدًّا وأخْذًا
بِأَخْذِ الجِدِّ لا تَطْغى رِغابُ
ويا أسَفًا إذا صُرِفِتْ عُقولٌ
ونُودِيْ في المزادِ بهمْ وغابوا
ولمْ يُؤخَذْ بِحُسنِ الرأيِ مِنهمْ
وقد خبَروا وقد شَرَحوا ونابوا
لقد بُنِيَ التراثُ بكلِّ عَصْرٍ
على الإصْغاءِ يَتْبَعُهُ جَوابُ
بِهِ غَنِيَتْ طُروسُ العِلْمِ حتّى (٩)
لَتُعْطينا الدِّرايةَ لا تُشابُ
وتَهْدينا السّبيلَ بلا اقْتِضابٍ
وفي الأجْيالِ لا يُخْشى انْسِحابُ
كما بُنيَ التَّقَدُّمُ بَعدَ جُهْدٍ
لأهلِ الفِكْرِ يُسْنِدُهُمْ شَبابُ
حَضاراتُ الوَرى قامتْ ودامتْ
على الأفكارِ ليسَ لها حِرابُ
خُيوطُ الفِكْرِ قد نَسجَتْ سُداها
وما بَلِيَتْ وما ضاقَ الإهابُ
وذي الأيّامُ تَرْمُقُنا بَعَينٍ
عنِ الأجيالِ يَكْفيها اضْطرابُ
وقَدْ رِيعَتْ ولم تَعْرِفْ ضُحاها
أيأْتِيها وقد فَنيَ التًُرابُ ؟
وكيفَ إذا عُيونُ المُزْنِ جَفَّتَ
أمِنْ سُحُبٍ يَكونُ لها انْسِكابُ ؟





