أوراق الخريف.. السعودية سقف توقعات التطبيع

رغم إجابة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي حول التطبيع مع إسرائيل في مقابلة له مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية عندما أشار بدبلوماسية “كل يوم نقترب أكثر، لأن المفاوضات تجرى بشكل جيد”، فهم العالم أن التطبيع السعودي الإسرائيلي أصبح قريب المنال ، ونسي الجميع أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى التي لا يمكن التخلى عنها بسهولة دون شروط.!فالمملكة العربية السعودية وسياستها التاريخية رغم الخلاف أحيانا مع الساسة الفلسطينين تبقى صمام الأمان للقضية ولكل العرب ، فلا يمكن التنازل عن المطالب العربية دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه الوطنية المشروعة وتنفيذ المبادرة العربية التي أطلقها المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في قمة بيروت عام 2002، عندما كان حينها وليا للعهد، وتهدف إلى إقامة دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان، مقابل السلام مع إسرائيل.وهذه المبادرة العربية السعودية التاريخية ، لا يمكن تجاوزها في اعتقادي ، فالساسة يطلقون العبارات والكلمات ولهم في ذلك مآرب أخرى ، والسلام لن يتحقق بالسلاح ولكن بالمفاوضات الجادة والشفافة وإعطاء كل ذي حق حقه ، لينعم الجميع بالسلام والرخاء والأمان باتفاق دولي يضمن تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة والتعايش في سلام دون ضرر ولا ضرار.لذا فإشارة ولي العهد السعودي ذات دلالة عميقة ورسالة لمن يرغب في السلام ودعوة إلى قبول المبادرة لحماية فرص السلام وهي حقن للدماء ، الأمر الذي يوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار في كافة دول المنطقة والعالم كي يعود الحق إلى أصحابه.لذا فإن الامير محمد بن سلمان أعلن في لقائه التاريخي أن المفاوضات تجري بشكل جيد ، وهي تعني أن الخلاف لا يمكن أن يحل دون مفاوضات جادة ودعم عربي وغربي لها ، وبالإملاءات لن يتمكن الفلسطينيون ولا الاسرائيليون من التوصل إلى حل نهائي ، والسعودية غير متعجلة لإقامة علاقات مع إسرائيل ، اذا كانت الدولة الإسرائيلية ترفض المبادرة العربية التي هي صلب أولويات السياسة السعودية على مر السنوات الماضية.وهذا ما أعلنه السفير السعودي الجديد خلال تقديم أوراق اعتماده للرئيس الفسطيني محمود عباس بأن “المبادرة العربية للسلام” لا تزال على الأجندة السعودية وستكون ركناً أساسيا في أي اتفاق ، وبالتالي فإن السعودية تنتظر من الأمريكان والحكومة الاسرائيلية صفقة مختلفة وغير عادية.وعلى الرغم من نصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي مؤخرا ان التطبيع مع السعودية ممكن “حتى لو رفضت إسرائيل التحرك نحو قيام دولة فلسطينية”، الا أننا نستنتج أن هذا الكلام لن يتحقق وليس هناك ما يهدد المملكة من إيران او غيرها ، وأن العدو الحقيقي للجميع هو اسرائيل ، ولعل كلام وزير الخارجية السعودي كان واضحا للعيان وهو حل القضية الفلسطينية، وأنه من الضروري إقامة دولة فلسطينية قابلة للبقاء ولا رجعة فيها.!نتفهم بان المملكة مهتمة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ، لكن أي اتفاق يجب أن يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية ، وليس هناك شك في ذلك ، ولكن على بريطانيا وأمريكا السعي في هذه الاتجاه ليكون للفلسطينيين دولة كاملة السيادة وميناء ومطار وغيرهما ، وعلى وزير الخارجية الأمريكي بلينكن طرح هذه النقاط إن أراد النجاح في مساعيه وترك بصمة تاريخية له بدلا من الوقوف مع إسرائيل.!فكلنا يعلم أن السعودية ليست وحدها التي تضع شروطا للولايات المتحدة مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإسرائيل تفعل الشيء نفسه ، فالتطبيع يحتاج من الدول العظمى والغربية المصداقية في تعاملها وتطبق القانون والقرارات الدولية اذا ارادوا إنقاذ دولتهم (اسرائيل) في المنطقة من الزوال نهائيا.فالسعودية ، لن تضحي بسمعتها ولن تدفع ثمنا باهظا في هذا الاتجاه ، بل ستلبي مصالحها الأمنية والجيوسياسية والعربية ، وتتمسك بموقفها ومبادرتها العربية للسلام ، وفي كلتا الحالتين تبقى السعودية لاعبا أساسيا يتمتع بالقدرة الحكيمة على أن يكون هو مفتاح حل الأزمات في المنطقة ، وقيام الدولة الفلسطينية وليس معرقلا لأي صلح سياسي ، ويتوقف ذلك على بريطانيا وأمريكا إن كانا يرغبان في السلام حقا وبقاء اسرائيل في المنطقة.والرياض من حقها أن تنظر في خياراتها وهي أكبر مما يقال عنها، فإسرائيل تعلم جيدا ما يعنيه كلام ولي العهد السعودي للقناة الأمريكية ، ويعلم الأمير محمد بن سلمان قيمة الورقة التي يمسكها بيده ، وإن انتهت المفاوضات بنجاح فستكون أكبر صفقة منذ الحرب الباردة ، والكرة في الملعب الأمريكي البريطاني الإسرائيلي والسلام الحقيقي الذي تتمناه السعودية هو الوقوف على أرض صلبة ويعتمد على احترام الطرف الآخر، لذا علينا ألا نرفع سقف التوقعات ، فالسياسة السعودية ثابتة مع القضية الفلسطينية ، قضية كل العرب.. والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا
batamira@hotmail.com
كاتب عماني





