“متحف بيت المنزفة”.. مَعْلَمٌ يُجسد التراث العُماني ويتحول إلى رافد اقتصادي وسياحي

عبري – 3 أغسطس /العُمانية/ يُعد “متحف بيت المنزفة” في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، واحدًا من أبرز المعالم التراثية والسياحية الحديثة في سلطنة عُمان، حيث يحفظ في زواياه ذاكرةً وطنية ممتدة لأكثر من قرن، ويُجسّد مبادرة أهلية حوّلت بيتًا عائليًّا إلى منصة نابضة بالهوية العُمانية، ورافدًا للتنمية السياحية والاقتصادية.

يقع المتحف في قرية مجزي، على بُعد نحو 60 كيلومترًا من عبري باتجاه ولاية ينقل، وتتميّز البلدة القديمة التي تحتضنه بموقعها الفريد على تلة مرتفعة تطل على واحات نخيل غنّاء، في مشهد طبيعي يجمع بين جمال المكان وثراء التراث.

افتُتح المتحف في 21 يناير 2024 كأول متحف أهلي في محافظة الظاهرة، ويعكس رؤية وطنية تهدف إلى ربط التراث بالمجتمع، وتعزيز الهوية الثقافية لدى الأجيال القادمة، إلى جانب دعم القطاع السياحي وتنشيط الحركة الاقتصادية المحلية.

يقول خلفان بن راشد المعمري، مالك المتحف، إن فكرة المشروع انطلقت من رغبة عميقة في إحياء إرث الأجداد وربط الأجيال الحديثة بتاريخها، من خلال ترميم بيت العائلة وتحويله إلى متحف مفتوح يحفظ الحكايات ويعكس العلاقة الحيّة بين الإنسان والمكان.

ويُوضح أن المتحف يحمل اسم “المنزفة” نسبةً إلى موقعه التاريخي، ويعود تاريخه إلى أكثر من 100 عام، ويُستدل على ذلك بوثائق ومراسلات سلطانية قديمة محفوظة لدى العائلة، تعود إلى عهد السلطان فيصل بن تركي والسلطان تيمور بن فيصل.

تحتوي قاعة البوسعيديين في المتحف على أكثر من 100 وثيقة سلطانية نادرة، إلى جانب مخطوطات وخطب ومراسلات تمتد لأكثر من 150 عامًا، تُبرز الروابط بين العائلة المؤسسة وشخصيات من الأسرة الحاكمة ومشايخ المنطقة.

أما قاعة مجزي فتضم مقتنيات تعكس تفاصيل الحياة العُمانية ما قبل النهضة، مثل الفخاريات، المصنوعات السعفية والجلدية، الحُلي النسائية، وغيرها من الأدوات التقليدية.

كما يضم المتحف تحفًا أثرية نادرة، منها خناجر يعود عمرها إلى أكثر من 500 عام، وقطع تراثية تُمثّل أنماط المعيشة اليومية، مما يضفي على المتحف طابعًا تعليميًّا وثقافيًّا أصيلًا.

من جانبه، قال عبدالله بن سليمان المعمري، مدير المتحف، إن “بيت المنزفة” لا يقتصر دوره على السياحة فقط، بل أصبح منصة تربوية تستقطب وفودًا طلابية من المدارس والكليات، حيث تُنظَّم لهم جولات تعريفية وبرامج تفاعلية تُرسّخ الارتباط بالتراث.

وأضاف أن المتحف يُنظّم حلقات عمل وفعاليات مجتمعية تُعزز من قيم المواطنة والانتماء، ويُعد بيئة تعليمية مساندة للمناهج الدراسية، تُشجع الطلبة على إعداد مشاريع علمية تنطلق من الواقع المحلي.

نجح المتحف في جذب أعداد متزايدة من الزوار، ما ساهم في تحريك النشاط الاقتصادي بولاية عبري ومحافظة الظاهرة عمومًا، حيث انعكس ذلك على المرافق التجارية والخدمية، كما فتح المجال أمام الحرفيين المحليين لعرض منتجاتهم بالتعاون مع الجهات المعنية.

وأسهم المتحف في خلق فرص عمل مباشرة للشباب، خاصة في مجالات الإرشاد السياحي وتنظيم الفعاليات، ما يجعله نموذجًا حيًّا لمبادرات المجتمع المحلي في دعم التنمية المستدامة.

“متحف بيت المنزفة” يُجسّد التقاء التاريخ بالحداثة، ويُعد منصة نابضة بروح الهوية العُمانية، حيث تتكامل فيه عناصر التراث والثقافة والتعليم والسياحة. ومع استمرار الدعم المؤسسي والشراكة المجتمعية، يواصل المتحف أداء دوره كمنارة ثقافية تعكس أصالة الماضي وتُلهم مستقبلًا معرفيًّا واقتصاديًّا واعدًا.

زر الذهاب إلى الأعلى