البحث والتطوير

عارف بن خميس الفزاري

باحث في المعرفة

أصبح البحث والتطوير أحد أهم محركات النمو الاقتصادي، وركيزة أساسية في بناء الاقتصادات القائمة على المعرفة والتقنية والابتكار. وتُشير التجارب الدولية إلى أنّ الدول التي رفعت استثماراتها في البحث والتطوير استطاعت تحقيق قفزات نوعية في الإنتاجية والتنافسيّة، وتحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية مضافة تُسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بالتالي زيادة فرص العمل واستيعاب المخرجات في سوق العمل. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الاهتمام بالبحث والتطوير في سلطنة عُمان بوصفه أداة استراتيجية لتحقيق «رؤية عُمان 2040».
وبحسب دليل فراسكاتي لمنظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية (2015)، يُعرَّف البحث والتطوير بأنه نشاط إبداعي ومنهجي يُنفَّذ بغرض زيادة رصيد المعرفة، بما في ذلك المعرفة بالإنسان والثقافة والمجتمع واستخدام هذه المعرفة في تطوير تطبيقات جديدة. ويشمل البحث والتطوير ثلاثة أنشطة رئيسة هي: البحث الأساسي والبحث التطبيقي والتطوير التجريبي، والتي تُنفَّذ في المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية والقطاعين العام والخاص.
ويُعد مؤشر الإنفاق على البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي أحد أهم المؤشرات الدولية لقياس جاهزية الدول للاقتصاد القائم على المعرفة.
وتبرز أهمية البحث والتطوير في تأثيره على مختلف مكونات الاقتصاد. فعلى مستوى الإنتاج، يُسهم في رفع الكفاءة التشغيلية وتقليل الهدر وتحسين جودة السلع والخدمات. وعلى مستوى سوق العمل، يخلق وظائف نوعية تتطلب مهارات متقدمة في مجالات التقنية والهندسة وتحليل البيانات والابتكار.
كما يدعم البحث والتطوير جهود تنويع الاقتصاد من خلال تأسيس قطاعات جديدة قائمة على المعرفة والتقنية والابتكار، ويعزز قدرة الدول على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تبحث عن بيئات ابتكار متقدمة وبنية أساسية بحثية متقدمة.
وقد أشار البنك الدولي (2024) إلى أن التجارب الدولية تُظهر وجود علاقة وثيقة بين البحث والتطوير والنمو الاقتصادي؛ إذ تُعد كوريا الجنوبية وتايوان من أعلى دول العالم إنفاقًا على البحث والتطوير، حيث تتجاوز نسبة الإنفاق فيهما نسبة 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس أهمية الاستثمار في البحث والتطوير في دعم النمو الاقتصادي.
كما نجحت دول صناعية كبرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة في توظيف البحث والتطوير لتعزيز الصناعات المتقدمة (4.0) والاقتصاد الرقمي، وذلك من خلال شراكات استراتيجية ومستدامة بين المؤسسات البحثية والأكاديمية والقطاع الخاص.
في المقابل، تُشير بيانات البنك الدولي (2024) إلى أنّ نسبة الإنفاق على البحث والتطوير في سلطنة عُمان لا تزال منخفضة؛ حيث تبلغ نحو 0.04% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة أقل من المتوسط العالمي للإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي البالغة 1.2٪، وهو معدل أعلى بكثير من نسبة سلطنة عُمان ما يعكس تحديات في التمويل المؤسسي للبحث العلمي في سلطنة عُمان.
ويعكس هذا الواقع تحديًا أمام مساعي التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والتقنية والابتكار، لكنه في الوقت ذاته يبرز فرصة كبيرة لتحسين الأداء عبر سياسات وتشريعات داعمة للابتكار، تعزز حماية الملكية الفكرية وتحفّز مشاركة القطاع الخاص وتربط مخرجات البحث بالاقتصاد، وهذا بدوره يُسهم في رفع نسبة البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان.
وتنسجم أهمية البحث والتطوير مع «رؤية عُمان 2040»، التي أكدت ضمن توجهاتها الاستراتيجية لأولوية التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، على ضرورة بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة والتقنية والابتكار، وتعزيز ربط التعليم والبحث العلمي بالتنمية الاقتصادية.
وبطبيعة الحال لا يُمكن تحقيق هذه التوجهات دون منظومة وطنية فاعلة للبحث والتطوير، قادرة على توجيه الموارد لتحقيق تلك التوجهات وتحويل المعرفة إلى حلول عملية تدعم القطاعات الإنتاجية.
عليه، فإنّ التحدي لا يتمثل فقط في رفع حجم الإنفاق على البحث والتطوير، بل في ضمان كفاءة هذا الإنفاق وربطه بالاقتصاد. فالدول التي نجحت لم تستثمر أكثر فحسب، بل استثمرت بذكاء وربطت البحث والتطوير بالتصنيع والابتكار والسوق.
ومع ما تمتلكه سلطنة عُمان من مُمكنات لرفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير وعلى رأس تلك المُمكنات «رؤية عُمان 2040»، فإنّ تعزيز منظومة البحث والتطوير يُمكن أن يشكل أداة استراتيجية لتحقيق اقتصاد قائم على المعرفة والتقنية والابتكار.

•المصدر : جريدة عمان

زر الذهاب إلى الأعلى