التسريح الوظيفي.. الضحية والجلاد

حمود بن علي الطوقي
التسريح الوظيفي ليس قرارًا إداريًا عابرًا، بل صدمة إنسانية قد تهزّ حياة الفرد من جذورها، وتنسف استقراره النفسي والاجعي في لحظة واحدة. والخطورة الحقيقية لا تكمن في القرار ذاته فحسب، بل في طريقة اتخاذه، وفي الصمت الذي يحيط به، وكأن فقدان الوظيفة لا يعني فقدان الأمان والكرامة لدى شابٍ في مقتبل العمر.
لا يمكن، ولا يجب، أن تنعكس الأوضاع الاقتصادية أو الإخفاقات الإدارية على الشباب العُماني، الذي التحق بسوق العمل شريكًا في التنمية، لا عبئًا عند الأزمات. فالأزمات تُدار بالإصلاح، لا بإقصاء من لم يكونوا سببًا فيها، وإذا كان لا بد من تقليص العمالة، فإن المسؤولية الوطنية تفرض حماية المواطن أولًا.
قرار التسريح لا يعني فقدان وظيفة فقط، بل يفتح أبواب القلق والضغط النفسي، ويضع الشاب أمام أسئلة قاسية عن مستقبله وكرامته والتزاماته الأسرية. هذه الآثار لا تظهر في الميزانيات، لكنها حاضرة بقوة في الأرواح.
وحسب ما نما إلى علمي من مصادر قريبة ومن شملهم قرار التسريح، فإن آلية التسريح التي اتُّبعت لم تكن موفقة إنسانيًا. فقد لجأت شركة أوريدو إلى عقد اجتماعات مع موظفين تم اختيارهم للتسريح، أُبلغوا خلالها بالقرار بصورة مفاجئة، مع تقديم عرض يقضي بصرف رواتب لمدة 24 شهرًا مقابل التوقيع على الاستقالة، أو الاتجاه إلى القضاء. وقد يكون هذا العرض مناسبًا لبعض الموظفين، لا سيما من أمضوا سنوات طويلة في الخدمة، لكنه في المقابل قد لا يكون منصفًا أو ملائمًا لفئة الشباب حديثي العمل، الذين ما زالوا في بداياتهم المهنية، ويعتمدون على الاستقرار الوظيفي لبناء حياتهم ومستقبلهم. كما أن تقديم هذا العرض في لحظة صدمة، ودون إتاحة مساحة كافية للتفكير أو الاستشارة، جعل القرار يبدو أقرب إلى الإكراه منه إلى التسوية الرضائية.
ويُنظر إلى هذا الإجراء – وفق هذه المعطيات – بوصفه تسريحًا تعسفيًا من حيث الجوهر، لا لغياب المقابل المالي، بل لطريقة فرض القرار والضغط النفسي المصاحب له. وفي هذا السياق، كان الشاب الخلوق ناصر بن أحمد الكندي من بين الموظفين الذين تم استدعاؤهم وإبلاغهم بأنه ضمن قائمة المسرَّحين. وحسب ما أفاد به بعض زملائه، فقد أُلزم بالتوقيع على الاستقالة في ذات اللحظة، في ظرف لم يكن مهيأً نفسيًا لاستيعاب القرار. وعندما عاد إلى منزله، تعرّض لصدمة نفسية حادة استدعت نقله إلى المستشفى، حيث انتكست حالته الصحية بشكل متسارع، وتم إدخاله إلى غرفة العناية المركزة، إلى أن وافته المنية، رحمه الله، تاركًا وجعًا عميقًا في قلوب أهله وكل من عرفه. رحل ناصر، لا لذنب اقترفه، بل لأن قرارًا لم يُحسب أثره الإنساني.
ومن زاوية قانونية، فإن التسريح الوظيفي لا يُقاس بسلامة الإجراء شكليًا فقط، بل بمدى احترامه لروح العدالة وحماية الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية. فالقرارات المتخذة تحت الضغط النفسي، ودون تهيئة أو مهلة كافية، تثير تساؤلات مشروعة حول حرية الرضا وعدالة الإجراء. كما يبرز هنا دور الجهات المختصة، وفي مقدمتها وزارة العمل وصندوق الحماية الاجتماعية، في مراقبة آليات التسريح الجماعي وضمان عدم تحوّلها إلى مصدر أذى نفسي واجتماعي جسيم.
إن ما حدث يجب ألّا يُطوى بالصمت، فالشباب العُماني ليس رقمًا في كشوف الرواتب، بل قيمة وطنية وشريك أصيل في مسيرة البناء والتنمية. واحترام الموظف العُماني وتقدير جهده حقٌّ مشروع لا يقبل التأويل أو التجاهل، وأي قرار يمسّ مستقبله وكرامته يجب أن يُتخذ بوعي إنساني ومسؤولية أخلاقية تليق بعطائه.
اخيرا أقول في ختام هذا المقال
أتمنى من الشركات التي ترى في التسريح خيارًا لترشيد مواردها المالية أن تعيد النظر في هذا المسار، وأن تبحث بجدية عن حلول أخرى أكثر إنسانية واستدامة، وأن تستبعد مصطلح التسريح من قاموسها الإداري قدر الإمكان. فالشركات تمتلك من الأدوات والخبرات والخيارات التشغيلية ما يمكّنها من معالجة التحديات دون المساس بحقوق الموظفين أو زعزعة استقرارهم النفسي والاجتماعي، لأن الحفاظ على الإنسان ليس عبئًا ماليًا، بل استثمارًا أخلاقيًا وتنمويًا طويل الأمد.





