على موائد السفارات

سعيد بن مسعود المعشن

تلقيت خلال حياتي المهنية العديد من الدعوات لحضور حفلات رسمية، من هذه الحفلات تلك التي تقيمها عادة الممثليات الدبلوماسية المعتمدة في البلاد.
ولأنني “كائن غير اجتماعي” بطبعي، كما يتهمني “أصدقائي”، فلم يحصل أن حضرت أيا من تلكم الدعوات.
إلى الآن والموضوع عادي جدا، فهذه الدعوات عرف محمود، درجت عليه العادة في أن تحاول كل سفارة من أن توسع من قائمة أصدقائها في أي بلد. وحضور الدعوات، من عدمه، مسألة يقدرها كل مدعو تبعا لعلاقته بالجهة الداعية وموقعه الوظيفي، أو طبيعة عمله، نظرا لظروف وواقع كل شخص.
وحتى أضعكم في الصورة، لا بد من الإشارة إلى أنني قبل عام ونيف من الآن تلقيت دعوة رسمية لمقابلة السفير السعودي في مسقط من قبل الدبلوماسي النشط والخلوق، سعادة السفير عبدالله بن سعود العنزي، والذي انتقل مؤخرا إلى طهران في مهمته الجديدة، التي نصلي أن تكلل بالنجاح، نظرا لأهمية تأثير تحسن العلاقات السعودية الإيرانية، ليس على مستوى البلدين فقط، ولكن امتداد تأثيرها إلينا نحن هنا في عمان، كدولة جارة للطرفين، وعلى السلام والتنمية في المنطقة، والإقليم برمته.
ولأني من الداعمين والمستبشرين بالتغييرات التي حدثت في السعودية، وانفتاح المملكة وتبنيها سياسات داخلية جديدة تنسجم مع واقع إيقاع العصر، وكذلك مع من هم من حولها، مع تولي خادم الحرمين الملك سلمان – حفظه الله- مقاليد الحكم في البلاد، وما ترتب على ذلك من وصول الأمير الشاب، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، فقد تلقيت دعوة لقاء السفير بفرح وترحاب، وذهبت لمقابلته في مقر السفارة السعودية بحي السفارات في مسقط.
وبعد السلام والمقدمات البروتوكولية المعتادة، اندهشت من أن المقابلة ما هي إلا إجراء بروتكولي معتاد، تحاول فيه كل سفارة، نسج علاقات مباشرة مع ممثلي وسائل الإعلام المختلفة.
ولأني، من الناحية التقنية الصرفة، أعتبر رئيس تحرير مجلة اقتصادية، فقد صدف أن كان اسمي ضمن قائمة الأسماء التي كانت على مكتب سعادة السفير.
على إثر تلك المقابلة، لم يطل الوقت كثيرا، حتى وصلتني دعوة كريمة منه لحضور حفل السفارة بالعيد الوطني للمملكة الذي تزامن للأسف، مع وجودي خارج البلاد، بالتالي لم أنل شرف الحضور، رغم حرصي الشديد على ذلك. مما جعلني أعقد العزم على تلبية دعوة هذا العام، نظرًا لما اكنه، للشقيقة الكبرى، قيادة وشعبا، من حب وتقدير.
غير أن ما لفت نظري، واستوقفني حد الذهول، الأعداد المهولة من العمانيين الذين حضروا للتهنئة بالمناسبة، مما اضطرني للوقوف في صف طويل جدا وأنا اتصبب عرقا في أجواء مسائية مسقطية شديدة الرطوبة.
ولأنني قليل الصبر والجلد، فلقد اكتفيت بالسلام وتهنئة طاقم السفارة، وخرجت من الباب الآخر، نظرا للزحمة الشديدة، وامتلاء القاعة والردهات إلى آخرها بالمهنئين.
هذا الموقف جعلني أتذكر الصور والمقاطع التي كانت تصلني، بين الحين والآخر، لعمانيين ليس لهم عمل إلا التنقل بين حفلات السفارات المختلفة والتقاط الصور التذكارية مع الحضور، وتوزيعها ونشرها وكأنها إنجاز يستحق أن نعرف عنه.
أفهم أن هناك من تقتضي مواقع عملهم حضور مثل هذه المناسبات، ولكنني كذلك أعرف عدد غير قليل منهم، ليس لهم عمل إلا التحاف بشوتهم، والتمنطق بخناجرهم، وملاحقة موائد السفارات المختلفة وكأنها نوع من “البرستيج” الاجتماعي الذي يحرصون عليه، مما يجعل منا البقية، الذين نستثقل حضور مثل هذه المناسبات، مجرد رقم إضافي لا لزوم له، ولن يفتقده أحد. وعليه، فغيابنا أبرك لهم وللمضيف وللضيوف.

زر الذهاب إلى الأعلى