التماس على المحك..
بقلم/ د. اسحاق بن أحمد البلوشي
في أحد ألايام النوفمبرية الجميلة عقد التماس برنامجه واستضاف أصحابه ونشر الاعلانات وروَّج للقاءات أن استعدوا أيها الناس واجمعوا فكركم واذهانكم أيها الرياضيون ولا تنشغلوا فقد جئتكم من التماس بخبر يقين وما أن بدأ الحوار وانطلق الحديث سرح الفكر في الماضي وحل الذهن على لقاءات السنوات القديمه ولسان حاله يقول ما هذا إلا خطاب مستهلك وحوار عفى عليه الزمن لم يأتي بالجديد تم مناقشته مراراً وتكراراً بنفس الأسلوب ونفس الأسئلة وبنفس الأجوبة ونفس الوجوه لم يتغير شيء فيها إلا طريقة الجلوس ولون الأثاث متسائلاً ألا تستحق الرياضة أفضل من هذا؟
لماذا يطالب البعض المؤسسات الرياضية بالتغيير والتغيٌُر ولا يستطيع هو في المقابل أن يتغير أو يغير فيما أوتي وفيما استخلف فيه سواءً في اسلوب الطرح أو أسئلة الحوار أو الضيوف أو غيرها تقديرا لسمع المشاهد والجمهور الذي ملَّ واستمل وضجر واضطَّجر وأصابه الحزن والأسى مما سمع ويسمع من نقاش لا يزيد ولا ينقص من الوضع شيئا إنما يثار بعد كل مرحلةٍ من مراحل الانتخاب وبعد فوات الأوان.
إذا عجز هؤلاء في أن يضعوا لهم رؤيةً واضحةً واستراتيجيةً ناصحةً على مر العقود والأزمان والليالي والأيام للتعاطي مع قضايا الشارع الرياضي فكيف لهم أن يطالبوا وينتقدوا المؤسسات في أن تضع لها رؤىً واستراتيجياتٍ تعانق عنان السماء، واذا عجزت هذه الحوارات في التجديد والتغيير فكيف لها أن تطالب غيرها بالتجديد والتغيير، وقد تناولت شيئا مما يخص الاعلام الرياضي في مقالةٍ كتبتها بتاريخ 28 يوليو 2021 بعنوان (الاعلام الرياضي والاستفهامات الخمس) المنشورة في جريدة الرؤية اتمنى أيضا أن توضع مقالتي هذه على تماس النقد وطاولته ليكون الاعلام منصفا.
مع هذا كله لم يخلوا الحوار من طرح القديم بثوب قديم وكأنه كل شيء وتجاهل الجديد في ثوب جديد وكأنه ليس بشىء، سأتناول بعضاً منه وأشرح اجزاءً أخرى لعل المشهد يكتمل والحوار يتصل، وأسأل الله أن يعينني في استدعاء الحروف والكلمات وجميل العبارات التي تتناسب مع التماس ومع خبرائه ومستشاريه.
لا يتصور المتابع العدد الهائل من الذين يظهرون وبالذات على القنوات وفي الحوارات الرياضية ممن يحملون ألقاباً عظيمةً عظم الجبال وكبيرةً كبر البحار والمحيطات، يتغنون بها ويدندنون حولها منتشين بهذه الألقاب التي تظهر أمام الشاشات والعدسات، التي باتت لذكائها الشديد تتحسس منها وتشمئز وكم من المرات تعطلت لشدة ثقل تلك الألقاب عليها، وما أن يراها المشاهد تتصارع في ذهنه الأفكار وتتقاتل في خواطره الذكريات، وكأنها تقول له ما أسهلها عليهم وما أصعبها على غيرهم.
ولا يزال هؤلاء ينتقون ما يشاءون من المسميات والألقاب، يضعونها على أرفف اللقاءات والحوارات يستخدمون لكل لقاء ما يناسبه من اللقب، ويأخذون لكل حوار ما يطابقة من الرتب، فخزائنهم ملأى وأدراجهم متخمه بالرتب والألقاب، لكن ما أن يبدأ الحوار والنقاش تنكشف سوءات هذه الألقاب، وتبين عورات هذه الرتب ولا تتجاوز مساحة الحوار والأفكار مساحة الغرف التي يجلسون فيها.
فما أن تخيلت هذا ذهبت مسرعاً وفعلت فعل الاعلام هذه المرة، أبحث عما يجري وما يدور ويحاك في التماس وأخواتها، لعلني أجد شيئاً من الحقيقة، فمررت بدايةً بجانب الألقاب والرتب ووجدت صاحباً لها فسألته عن أحدهم قال تعني الفيلسوف؟ قلت ألم يكن قبلها مفكرًا عظيماً؟ قال نعم قلت ألم يكن بالأمس القريبه مستشاراً فذاً؟ قال نعم قلت ألم يكن قبل هذا وذاك خبيراً ؟ قال نعم قلت هو هو الذي وجدته اليوم أديباً؟ قال هو هو الذي وجدت وهو هو الذي رأيت وما أنا إلا جليسٌ له ولغيره وما علي سوى أن أخاطبهم بكل هذه الألقاب والرتب، وأسأل الله أن يعينني لعلي أجد منها ما يكون على التماس ثم أردف قائلاً (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيري).
وما أن سمعت دعاءه علمت أن الأمر يحتاج الى اعادة نظر في كل ما كان منه على التماس، ويحتاج الى تنقية وتصفية في كل ما كان فيه من إلتباس، لكيلا يأتي منه الضرر، ولكيلا يجيىء منه الشرر، ولكأني أرى هذه الألقاب والرتب هي من تسببت في كل ما يعيشه هذا القطاع الجميل من اشكالات، سأتناول بعضاً منها في باقي السطور والجمل، لعلي أضع شيئا مما قالوا وما سطَّروا على ميزان الاعلام الذي به يكتالون ويوزنون، وأسأل الله أن لا أكون من المطفّفين.
لا يوجد شيء أشد ظلماً على الانجازات من عدم التجديد والتغيير، ولا يوجد شيء أشد عداوةً على النجاحات من عدم مواكبة التطور والتطوير، فعندما تصاغ الاسئلة في قالبها القديم، ويعاد طرحها مرة بعد مرة في طابعها الحزين، يكون الشك مصاحبا لليقين ويكون الغموض مصاحبا للوضوح، وما أن يكون هذا وقد كان، أتى أول إلتباس من التماس حينما قال أولهم أن الإيمان بالشورى أولى من الايمان بالديمقراطية، وقال صراحةً إنني مؤمن بالأولى كافر بالثانية، فأصبح النزاع بينهما قائما فقد بغت الشورى على اختها، وقالت رغم أننا من بطن واحدة ومن أرض واحدة لكنني جئت على لسان هؤلاء قبلك، وجئت على خط التماس أولاً فلا أجد لك مكانا معنا، ولا أقرٌ لك بشىء من الاخوة بيننا، لأن الخبراء والمستشارين زاغ فكرهم وتبدلت أحوالهم، فقد ميزوا وفرقوا بيننا، رغم اجتماعنا وتعاوننا على كثير من الحلو والمر، وهي الحكمة التي جاءت على لسان فلاسفة الرياضة فما عليك الا أن تقبلها وتخضع لها رأسك.
فما أن فرغ من ذلك استرسل قائلاً أن المشكلة ليست في سن القوانين ولا في وجود الأنظمة، ولكنها في ايجاد صياغةٍ عامة يشرك فيها الجميع، فما أن سمع المشاهد هذا اختلطت عليه المفاهيم وتبدلت عنده المعاني وأصبح في حيرة من أمره متسائلا ومتعجبا، ما علاقة القوانين والأنظمة بالمؤسسات وما علاقتها أيضا بالتفوق والنجاح وتحقيق الانجاز أليس من الأولى إلغاؤها؟
فما أن بدت بعض المفاهيم والصياغات الجديدة والعجيبة تظهر جاء آخر في التماس يقول ويضرب بما قاله الأولون عرض الحائط، أن لا أتفق أن المشكلة في الأفراد ولكنها في البيئة وفي سن القوانيين والأنظمة التي لا زالت في قالبها القديم طوال عقود من الزمن لم تتبدل ولم تتغير، فوجه له التماس تساؤلاً وقال أليس من يشكل البيئة هم الأفراد ومن يشكل عمل الأفراد هو سن القوانين ومن يضبط عمل القوانين هو إحكام الأنظمة فكيف تنفي مثل هذا؟ فما أن بدا له ذلك تراجع قليلا وتمثل قائلا (جنت على نفسها براقش) ثم قال سأحاول مرة ثانية لعلها تكون على التماس.
فجاء بنظرية لم يعرفها أحد من قبله ولا من بعده، وقال ان الاشكال الحقيقي والسبب الرئيس هو في مكون الأندية وتشكيلها، لأنها هي من ستشكل الانتخاب الأكبر، ومن ثم تشكل المجلس الأكبر، ومن ثم ستتشكل المحنة الكبرى، ثم أطرق رأسه وقال لكنني لو سألت طالبا في الابتدائية أو في رياض الأطفال ما أضن الا أنه يعرف عن هذا وأنني لم آتي بالجديد، انما هو القديم والقديم وقال يا ويلي ثم يا ويلي من التماس ومن العارفين.
ولم يزل التماس في صدمةٍ كبيرةٍ من هؤلاء الذين لم يتَّفقوا في أبجديات عوامل النجاح وأداء المؤسسات، وما يجب أن يكون جاءت صدمةٌ ثانيةٌ من الجابر ولكنها أشد شراسة من أخواتها، الذي حكم دون تريث ولا نظر، وقيَّم الأفعال دون تفكُّر أو قدر، فأطلق الاصفار والاصفار، ولم يعطي شيئا من الانصاف ولو قليله، ولم يعدل فيما مضى ولو يسيره، فقال ان الأصفار قد صاحبتكم شئتم أم أبيتم، وقد احاطت بكم من بين أيديكم ومن خلفكم، وعن أيمانكم وعن شمائلكم، ومن فوقكم وكذلك من تحت أرجلكم، فأين تذهبون وأين المفر، فلا شيء بقى لكم ولا شيء تبقى منكم، لكنني جئتكم منقذا وأنا صاحب المرحلة، ولا يجب على أحد أن يكون في شك من هذا، لكنه في ذات الوقت قال أنا لا أعدكم بشىء، وليس من حق أحد في التماس أو في غيره أن يطالب فك قيود الأصفار، والتخلص منها، فما أن سمع التماس هذا سقط مغشياً علية.
ما أشبه اليوم بالبارحه في طرح هذه المواضيع، والمقال يتساءل ما الهدف منها وما الغاية هل هو شغل اوقات الفراغ ام هو فراغ يشغل به الأوقات وبهذه البرامج والحوارات؟ لست أدري!! لماذا لا يتجدد الاسلوب والحوار ولماذا لا تقرأ المواضيع من أبعادها الحقيقية وباسلوب علمي حديث؟ ولماذا لا يكون الطرح شفافا يكشف الغموض؟ ولماذا تطرح الاسئلة بكل هذا الخجل ولماذا تكون الأجوبة بكل هذا الاستحياء؟ لماذا ينتقد هؤلاء المؤسسات ويطالبونها بالانجازات والنجاحات فيما يعجزون هم بأن يأتوا بالجديد وأن يتفقوا ولو في الأبجديات؟ لماذا يحترف البعض ويمتهن إلقاء اللوم على الآخر وتوجيه سهام النقد بالعشوائية المفرطة، التي غالبا ما تصدر وفيها ما فيها من اللغط والظلم وهوى النفس.
حوارات تكون مدتها ساعات وساعات، ومناقشات تتواصل أيام وأيام، وضيوف تزينت أسماءهم بمسميات وألقاب طولها طول القطارات، وعندما تنتهي لا يعرف منها شيئا ولا يستفاد منها الا تعالي الاصوات والتظاهر بالعبقرية والامكانات، فلم يختاروا لهم سوى كرسي النقد لأنه الطريقة الأسهل للوصول والظهور بحسب أفهامهم، ولا أظن أنهم عرفوا يوما بأن النقد هو ذلك العلم الذي يهرب منه ذوي اللب والفهامة، ويبتعد عنه ذوي العلم والفصاحة، لما يحتاجه من الموهبة النقدية والأهلية العلمية والتخصص والفهم والحنكة، وما يحتاجه من قوة الحجاج في الطرح والذكاء في الاستدلال والاستنباط، وكذلك استخدام ادوات النقد والتحليل، وكيف ينقد التحليل ويحلل النقد، فهل فقِه هؤلاء شيئأ من هذا.
على التماس وجدنا نقدًا مطلقا كان مبنيا على جرفٍ هارٍ فانهار في أول بناءه، وعلى التماس وجدنا اسلوبا قديما استوطنه فلم يبارحه، وضيوفاً اشمأزت من فكرهم الأسماع وكرهتها الأفهام، فما أن أصبح هذا وصار ذاك، على التماس أن يجد لنفسه أساساً جديداً يقف فوقه وبناءًا صلباً يستوي عليه، وتحولاً قوياً شجاعاً يتخلص فيه من الماضي وأصحابه ومن القديم ورفاقه، وأن يجد مكانةً له ليس فيها لبس ولا التباس، لأنه أمل الرياضه وبارقته التي تنتظر، وليس في غيره ما ينتظر.