أمريكا كمان وكمان

  • سعيد بن مسعود المعشني

من المهم مراقبة ما يجري في أمريكا من تغييرات في السياسات والمواقف، سواء على المستوى الداخلي منذ وصول ترامب إلى السلطة للمرة الثانية في حياته السياسية، أو على المستوى الخارجي. فالاستراتيجيات والسياسات التي تُصاغ أو تُنفَّذ حاليًا ستستمر في التأثير على المنطقة لفترة ليست بالقصيرة، مما يستوجب مزيدًا من الحذر، خصوصًا فيما يتعلق بتعامل دول المنطقة مع ما يجري.
وبعيدًا عما يقوله ترامب، الذي يتفنن في رمي القنابل الدخانية لتغطية ما يجري على المستوى الداخلي الأمريكي، إلا أن ارتداد بعض هذه السياسات سيكون مباشرًا على بعض الدول العربية التي اعتمدت لسنوات على أمريكا كمظلة لوجودها واستمرار من يحكمها.
أول المشاكل الأمريكية الداخلية ذات التأثير الدولي هي مسألة التدقيق في مصروفات وكالة التنمية الأمريكية، أو ما يُعرف اختصارًا بـ (USAID). فقد أصدر الرئيس الأمريكي أوامر بتعليق عمل الوكالة لمدة ٩٠ يومًا، كما وجّه الملياردير رجل الأعمال إيلون ماسك إلى التدقيق في مصروفات الوكالة.
ما بدأ يتكشف عن بعض البرامج والجهات المستفيدة من هذه المصروفات حول العالم يُصيب القارئ بالدهشة والغثيان معا.
عناوين برامج الوكالة العتيدة في الشرق الأوسط تبدو غامضًة، محزنًة، ومثيرًة للجدل. فالمؤشرات الأولية تشير إلى أن قيمة هذه البرامج لعام ٢٠٢٠م على سبيل المثال وليس الحصر، قاربت ٣ مليارات دولار، هذا دون أن نصل بعد إلى البرامج السرية التي نفذتها وتنفذها وكالات ومؤسسات أمريكية أخرى لن يكشف النقاب عنها أبدًا لأسباب أمنية وسياسية تتعلق بالمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية.
ومع ذلك، فإن ما كُشف حتى الآن يؤكد أن القسم الأكبر من هذه المساعدات موجَّه إلى كلٍّ من مصر والأردن، حيث حصلت الأولى على مليار وأربعمائة مليون دولار، فيما تلقت الثانية مليارًا وثلاثمائة مليون دولار. هذه المليارات التي تعتمد سنويا تدفع بإعتبارها ثمن توقيع الدولتين على اتفاقيات السلام مع إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، هناك ٣٠٠ مليون دولار أخرى صُرفت في العام نفسه، ووزِّعت تحت عناوين إنسانية، مثل دعم بعض المنظمات والأفراد العاملين في المجالات الصحية والتعليمية والإعلامية.
وقد لا يُثير الاستغراب أن هناك تركيزًا خاصًا على دعم المنظمات النسائية وحقوق المثليين، ومنظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى تمويل بعض الجمعيات المرتبطة بتنظيمات مصنفة إرهابية حتى من قِبل أمريكا نفسها.
ما كُشف حتى الآن، في فترة قصيرة جدًا، لا يُعدو كونه رأس جبل الجليد.
إذا استمر ترامب ومن معه في اتباع هذه الشفافية- التي نتمنى أن تستمر وتنتشر عدواها عند التدقيق في نشاطات وزارات ومؤسسات أخرى مدرجة على قائمة التدقيق والمراجعة—فإننا سنفهم ماذا كانت أمريكا تفعل في هذه المنطقة من العالم ولماذا.
بعد ذلك، “كل حد عقله في رأسه يعرف خلاصه”، كما يقول المثل الشعبي العربي، هذا إن استطعنا.

زر الذهاب إلى الأعلى