البناء الشعري في قصيدة الرأي الصواب للشاعر العماني حمد بن محمد الراشدي!

بقلم الدكتور / عبدالسلام الكبسي

* شاعر وناقد وأكاديمي يمني

اطلعت على مجموعة من القصائد الشعرية التي كان قد أدلى بواحدة منها، بعنوان الرأي الصواب، أدلى بها إلي الصديق والزميل العزيز الأستاذ حمود الطوقي وهو من سلطنة عمان
جمعتني به الغربة والإغتراب في المملكة المغربية للدراسة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالمغرب في الثمانينات من القرن الماضي، وكانت زمالتنا من أقوى الزمالات وصداقتنا من أقوى الصداقات،
أدلى بها إلي، وهي من قصائد الشاعر العماني المتمرس حمد الراشدي، وزير الإعلام الأسبق
فوودت أن أبدي رأيي في واحدة منها، وأرجو أن يكون رأيي فيها هو الصواب، وهي المعنونة ب: ” الرأي الصواب “،  المنشورة بمجلة الواحة العمانية.
فقرأتها عدة مرات،  وتأملتها عدة مرات، فوجدت نفسي أمام شاعر صعب المراس لا من حيث البناء الشعري المحكم ولا من حيث الفكرة الرئيسة التي تدور في فلكها القصيدة كما تدور الأقمار من حول الأرض.  فهي فكرة عصية لغير المتأمل في كل حرف وحرف،  وكلمة وكلمة وعبارة وعبارة حتى النهاية.
فكرة تتحدث عن أهمية الرأي الصواب، والرأي الصواب عليه يقاس الرجال ويتفاضلون مثلما هو واضح من القصيدة في البيت الأول: 
”  يُقاسُ على الرّجالِ إذا أَصابوا
ويُفْحِمُكَ الرِّجالُ بهمْ صَوَابُ “.
فالرأي الصواب يقول الشاعر المتنبي قبل شجاعة الشجعان،  هو أول وهي المحل الثاني.
ولقد أشاد القرآن بالرأي الصواب من خلال الإلماحة الجميلة في قول الله:
”   يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْـمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا “.
فماهو الرأي الصواب بالضبط!؟ 
الرأي الصواب حسب رأيي،  هو الذي يقوله الحكيم فيصيب به الهدف مباشرة ويقطع به قول كل خطيب على حد تعبير العرب القدماء إذ قالوا في أمثالهم:”  قطعت جهينة قول كل خطيب “.
والرأي الصواب هو ما يبنى عليه مستقبل المواقف و يتميز الرجال  ،  أو بمعنى آخر،  فالرأي الصواب تبنى به سمعة قائل الرأي، ويقال له طعنت وسددت وأصبت ،  وقد يجري مجرى الأمثال،  ويتوافق على صحة تسديده ودقته و قوته الجميع بلا استثناء،  ولا يقوم الرأي الصواب بطبيعة الحال إلا عن حكمة أو عن علم أو عن تجربة أو عن إلهام،  وهو دلالة على الثبات ورباطة الجأش لدى قائله وسعة علمه وإحاطته بمجمل الموقف.
كما أن الرأي الصواب يقوم بناء على التأمل والتفكير.
نعود إلى القصيدة الحكمية:”  الرأي الصواب ” للشاعر الحكيم حمد الراشدي الذي يتناول فكرة الرأي الصواب.
ويركز على مسألة مهمة في الرأي الصواب أنه مفحم.
فقد يكون الرأي الصواب جوابا مفحما،  يلقي بالبهتة على قلب الآخر فيبلس ولا يتمتم بعدها ببنت شفة .
فالرجال كما يقول الشاعر يقاسون بمقدار رأيهم الصائب، فمن كان أكثر رأيه الصواب، فهو المقدم فيهم :
”  يُقاسُ على الرّجالِ إذا أَصابوا
ويُفْحِمُكَ الرِّجالُ بهمْ صَوَابُ “
كما يقاسون بأفعالهم بعد أقوالهم، وكم من جواب مفحم (أو مصمت أو بليغ )!  وكم من فعل مسكت !
وعلى ذلك، يقاس رجال دون رجال، وتقاس أقوال دون أقوال. 
والحقيقة أن القصيدة الشعرية للشاعر حمد الراشدي يجب أن تؤخذ من لدى المتلقي جملة واحدة،  وأنها ككل شعر محكم بحاجة إلى شرح مفصل،  وكثير من الشعر المحكم لا يمكن تذوقه من لدى القارىء إلا بالشرح أولا،  قبل أن تتذوق الأساليب البلاغية والبيانية والإيقاعية واللغوية، وبقية المستويات، فيها.
وسنحاول هنا العمل على شرحها بيتا بيتا ككل شعر محكم منذ امروء القيس حتى الشاعر حمد الراشدي:
يُقاسُ على الرّجالِ إذا أَصابوا ويُفْحِمُكَ الرِّجالُ بهمْ صَوَابُ
يشير الشاعر إلى أن الرجال يقاسون أو يتفاضلون بأقوالهم الفعالة في المواقف ، وأن الرجال الذين أكثر رأيهم الصواب هم الذين يفحمون الآخرين بأقوالهم الصائبة .

– “وإنَّ الرَّأيَ تِلْوَ الرّأيِ يَأتي بُعَيْدَ الفِكْرِ يُجْمِلُهُ خِطابُ”، فالرأي يأتي بعد التفكير والتفكر ، وأن الذي يرأى رأيا فليقله مجملا ومجملا بتشديد الجيم بالبلاغة،


فالحكيم يقتضي أن يكون بليغا.
“وإنَّ الرَّأيَ بالإخلاصِ يُبْنَىٰ على عِلْمٍ ولِلفَحْوى نِصابُ”: يشير الشاعر إلى أن الرأي الصواب ينبغي أن يكون مخلصا لا غش فيه ولا خداع وأن يكون أساسه العلم.
وأن يكون باطنه أو فحواه الصدق، فالصدق ينفع صاحبه في المواقف القوية أو المواقف المشهودة.
وعلى العكس من ذلك،  فلا رأي صائب لمن طبعه النزق ولمن يجهل أبسط قواعد الصواب .
فالرأي التافه يطفو إلى السطح وينتهي كما تنتهي الفقاعات أو ما أسماها الشاعر بحباب الماء.
ولا يُبْنىٰ على نَزَقٍ وجَهْلٍ فقدْ يَطْفو كما يَطفو الحَبابُ”.
وهكذا يمضي الشاعر في تقديم ألوان من الحكمة والوصف للرأي الصواب في مقابل الرأي الخطأ بيتا بيتا.
فالرأي الصواب يبني وعكسه يهدم،  في عدد من الأبيات المتداعية شعوريا،  والآخذة رقابها برقاب بعض بلاغة واستطرادا، وتنوعا بالأمثال والصور والتراكيب البيانية التي لا تخلو من بداوة ككل شعر مطبوع،  حتى آخر القصيدة التي لابد لقارئها من فهمها أولا،  وتذوقها ثانيا و أخذها كجملة واحدة ثالثا.
لأنها قصيدة تبدأ بفرضية و يستطرد فيها شاعرها الكبير بالتنويع على الفكرة فكرة الرأي الصواب، معرفا به ومعددا أشكاله وألوانه، و مبينا أهميته في النجاح،  فالرأي الصواب أساس النجاح،  وأن الرأي الصواب هو أساس البناء، وأن هؤلاء الرجال الذين يقولون الصواب لايقاس بهم رجال.

                  عبد السلام الكبسي.

زر الذهاب إلى الأعلى