الاعتناء بالمستثمر الحالي أهم من استقطاب الجدد

نصر الله العجمي
صحفي اقتصادي

إن العناية بالمستثمر الحالي، سواء كان أجنبيًّا أو محليًّا، ومتابعته المستمرة، تُمثِّلان حجر الأساس في بناء بيئة استثمارية مستدامة، وهي حقيقة تُجمِع عليها التجارب الاقتصادية العالمية؛ حيث تشير البيانات إلى أن الجزء الأكبر من الاستثمارات يأتي عبر إعادة ضخ رؤوس الأموال من قِبَل المستثمرين الحاليين، وليس من خلال استقطاب مستثمرين جدد فقط.

التركيز على العناية بالمستثمر الحالي أهم بكثير من الاكتفاء باستقطاب مستثمرين جدد؛ وذلك لأسباب عدة: أولها أن المستثمر الحالي قد أثبت التزامه بالسوق، وأنه يعرف بيئتها وتشريعاتها، ومن ثم فإن توسيع استثماراته يكون أسرع وأقل مخاطرةً، وثانيها أن إعادة الاستثمار تعني نموًّا حقيقيًّا ينعكس مباشرةً على الاقتصاد من خلال خلق فرص عمل وزيادة الإنتاج من دون الحاجة إلى مراحل تأسيس طويلة، وثالثها أن تجربة المستثمر الحالي الناجحة تُعد أفضل وسيلة للترويج؛ فالمستثمر الراضي يصبح سفيرًا للبيئة الاستثمارية، ويجذب المستثمرين الآخرين تلقائيًّا، فيُغنِي عن حملات استقطاب مكلفة وغير مضمونة النتائج.

يشير تحليل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة الأمريكية – التي تعتبر وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – إلى حقيقة محورية كثيرًا ما يتم تجاهلها في النقاشات الاقتصادية، وهي أن الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات لا يأتي من دخول مستثمرين جدد، بل من إعادة استثمار أرباح المستثمرين الحاليين.

ووفقًا لبيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، تُمثِّل إعادة استثمار الأرباح ٦٠–٧٠% من إجمالي التدفقات السنوية، وهو ما يُعبِّر عن مستوى الثقة لدى الشركات الأجنبية العاملة بالسوق الأمريكية التي تعمل فيها، وكذلك يُعبِّر عن ثقة تلك الشركات بقدرتها على التوسع في هذه السوق، وتعزيز حضورها فيها من دون الحاجة إلى استثمارات خارجية جديدة. هذا النمو المدفوع من الداخل يدل على استقرار البيئة الاقتصادية، وفاعلية السياسات التي تُحفِّز المستثمرين على التوسع الطويل المدى.

وتُبرِز هذه التجربة نموذجًا مهمًّا يمكن الاستفادة منه دوليًّا؛ حيث تُظهر الأرقام أن العناية بالمستثمر الحالي، وتوفير بيئة تشريعية وخدمية محفِّزة له، قد تكون أكثر أثرًا من التركيز على استقطاب مستثمرين جدد فقط؛ فإعادة الاستثمار تعني توسعًا في الأعمال، وخلق فرص عمل، وزيادة في القيمة المضافة للاقتصاد من دون الحاجة إلى جهود تسويقية ضخمة. ومن ثم، فإن بناء علاقة مستدامة مع المستثمرين، وتعزيز ثقتهم، وتسهيل الإجراءات لهم، تُمثِّل عناصر أساسية لضمان تدفُّق الاستثمارات واستمرارها، وتحقيق نمو اقتصادي طويل الأمد.

وسلطنة عُمان اليوم تعمل على ترسيخ نهج يركز على العناية بالمستثمر الحالي، سواء كان أجنبيًّا أو محليًّا، عبر تطوير الخدمات، وتسهيل الإجراءات، وتمكين المنصات الرقمية الداعمة للاستثمار؛ ما يعزز استدامة الأعمال، ويشجع على إعادة ضخ رؤوس الأموال داخل الاقتصاد الوطني. وكذلك تؤكد التجارب الإقليمية، مثل تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، فاعلية هذا التوجه؛ حيث أسهمت خدمات المتابعة والتوسع في تعزيز بقاء المستثمر ونمو أعماله؛ فجوهر الفكرة لا يكمن في المقارنة، بل في إبراز أن بناء علاقة مستدامة مع المستثمر الحالي يمثل عاملًا مشتركًا بين الاقتصادات الناجحة، ويعزز الجهود الوطنية الهادفة إلى بناء بيئة استثمارية أكثر استدامةً وجاذبيةً في سلطنة عُمان.

زر الذهاب إلى الأعلى