أسبوع الفضاء العالمي 2025.. الفضاء وطنٌ جديد بجهود مبتكرة ورؤية عُمانية صاعدة

مسقط في 5 أكتوبر /العُمانية/ يشارك العالم خلال الفترة من 4 إلى 10 أكتوبر الجاري في الاحتفاء بأسبوع الفضاء العالمي، الذي يُعدّ أكبر فعالية دولية معنية بالفضاء تحت رعاية الأمم المتحدة. ويُشكّل هذا الحدث فرصة لتسليط الضوء على الأثر الواسع لتقنيات الفضاء في حياة الإنسان، من الملاحة والاتصالات إلى مراقبة المناخ وإدارة الكوارث.
ويأتي احتفال عام 2025 بطابع خاص، إذ يركّز على رؤية تحويل الفضاء إلى موطنٍ للبشر من خلال التقنيات المبتكرة، وتعزيز التعاون الدولي، وتطوير أنظمة دعم الحياة في البيئات الفضائية، إلى جانب دراسة تكيف الإنسان واستغلال الموارد خارج كوكب الأرض.

وخلال السنوات الأخيرة، برزت سلطنة عُمان لاعبًا واعدًا في قطاع الفضاء، بعدما انتقلت من مرحلة المشاركة الرمزية إلى دور ريادي قائم على المشروعات والشراكات الدولية. وتندرج هذه الجهود في إطار رؤية “عُمان 2040″، التي تستهدف بناء بيئة فضائية مستدامة تعزز التنويع الاقتصادي.
وقال الدكتور سعود بن حميد الشعيلي، مدير عام السياسات والحوكمة ورئيس البرنامج الوطني للفضاء بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، إن السياسة الوطنية لقطاع الفضاء التي أُطلقت في يناير 2023 جاءت برؤية تجعل من سلطنة عُمان بوابة إقليمية لتطبيقات وخدمات الفضاء، مع التركيز على تطوير البنية الأرضية للخدمات الفضائية.
وأوضح أن السياسة تستند إلى أربعة محاور رئيسية: التنويع الاقتصادي، وبناء القدرات الوطنية، والأمن الوطني، والاستدامة البيئية، مع إطلاق برنامج تنفيذي يتضمن مشروعات ومبادرات تسهم في تحقيق أهداف هذه المحاور مجتمعة.

وأشار إلى أن الاستثمار في البنية الأساسية للفضاء، مثل منصات الإطلاق ومنظومات الأقمار الصناعية، يسهم في تنويع الخدمات وتعزيز القطاعات التنموية، إلى جانب بناء موارد بشرية قادرة على الابتكار. ومن أبرز المبادرات في هذا السياق برنامج “عُمان لمسرعات الفضاء” الذي انطلق في يوليو 2025 لدعم المؤسسات المحلية في تقديم خدمات فضائية مطلوبة إقليميًّا.
وفي جانب بناء القدرات، أوضح أن البرنامج الوطني للفضاء نفّذ مساقات تدريبية للعاملين والباحثين وطلبة الجامعات ورواد الأعمال، كما أُنشئت مبادرات تعليمية مثل ركن علوم الفضاء في متحف الطفل ومختبر هندسة الفضاء بجامعة السلطان قابوس لدعم البحث والتطوير في الأقمار الصناعية الصغيرة وتطبيقات الاستشعار.
وعن مستقبل القطاع، أكد الشعيلي أن الموقع الاستراتيجي للسلطنة، والبنية الأساسية للاتصالات، والمراجعة التشريعية، وبناء الكفاءات، عوامل مهّدت لجذب الاستثمارات وتبنّي مشروعات فضائية نوعية، مشددًا على أهمية إنشاء مؤسسة مستقلة مشابهة لوكالات الفضاء العالمية لتنظيم القطاع وتمكين نموه.
من جانبه، أشار عمر بن حمدان الحوسني، عضو مجلس إدارة الجمعية العُمانية للفلك والفضاء، إلى أن السلطنة تمتلك مقومات مميزة تجعلها موقعًا مثاليًّا للإطلاقات الفضائية. فإطلالتها على بحر العرب والمحيط الهندي توفر مسارات آمنة لإطلاق الصواريخ دون المرور فوق مناطق مأهولة، إلى جانب الاستقرار المناخي واتساع المساحات غير المأهولة الصالحة للاختبارات الفضائية.
وأشار إلى أن هذه الخصائص أسهمت في جذب المؤسسات الدولية، حيث شهدت السلطنة في ديسمبر 2024 إطلاق أول صاروخ فضائي تجريبي من منطقة الكحل بالدقم، لتكون أول دولة خليجية تقوم بعملية إطلاق من أراضيها. كما استضافت السلطنة فعاليات ومؤتمرات فضائية، وأقامت شراكات دولية لدعم هذه الصناعة.
وأكد أن سلطنة عُمان مرشحة لتصبح مركزًا إقليميًّا لإطلاق الأقمار الصناعية عبر “ميناء الدقم الفضائي”، خصوصًا بعد نجاح مهمة “دقم-1″، فضلًا عن قدرتها على تطوير خدمات مرافقة مثل محطات الاستقبال ومراكز التحكم. كما يمكنها أن تصبح وجهة للتعاون العربي والإقليمي في الأبحاث والتقنيات الفضائية.
ولفت إلى أن السلطنة تمتلك إرادة وطنية ورؤية واضحة وشبابًا طموحًا، ما يجعلها في موقع يؤهلها للعب دور محوري في قطاع الفضاء خلال السنوات المقبلة، وبناء نموذج للتنمية الفضائية المستدامة وفق رؤية “عُمان 2040”.
من جهته، يرى الدكتور عبدالرحمن بن علي ملاوي، الأستاذ المشارك في علم الفلك الراديوي بجامعة الملك عبدالعزيز، أن شعار أسبوع الفضاء العالمي لهذا العام: “العيش في الفضاء” يحمل أبعادًا تتجاوز الاستكشاف إلى تصور إقامة بشرية مستدامة خارج الأرض، عبر بناء موائل فضائية وتطوير تقنيات الحياة الداعمة لها.
ويشير إلى أن الأسبوع يهدف إلى رفع الوعي العالمي بفوائد الفضاء في الحياة اليومية، وتحفيز الشباب على مجالات العلوم والابتكار، وتشجيع الاستثمار الدولي في القطاع، وتعزيز التعاون بين الدول، وتوظيف الفضاء لخدمة التنمية الاقتصادية المستدامة.
وأضاف أن التحديات المستقبلية للعيش في الفضاء ليست تكنولوجية فقط، بل إنسانية ونفسية بالدرجة الأولى، مبينًا أن التقنيات الحديثة يمكن أن تخفف من أثر البعد النفسي عبر حلول مثل الواقع الافتراضي، والاتصال المرئي بالأرض، والتنظيم الصحي والرفاه الاجتماعي عن بُعد.
وبين أن استغلال الموارد الفضائية وبناء مستعمرات على القمر أو المريخ، وتطوير نظم إعادة التدوير وإنتاج الطعام في بيئات مغلقة، هي من أبرز المحاور التي يسلط عليها الأسبوع الضوء هذا العام، في إطار تسريع الانتقال من الحلم إلى الواقع.
ويؤكد أن مستقبل الفضاء بات يتشكل عبر الشراكات والتقنيات المبتكرة، وأن دولًا مثل سلطنة عُمان تمتلك من المقومات ما يجعلها شريكًا فاعلًا في هذه المسيرة العالمية.





