منظومة تشريعية متكاملة لتعزيز بيئة العمل في سلطنة عُمان

مسقط في 8 نوفمبر /العُمانية/ تشهد سلطنة عُمان تحولًا نوعيًّا في سوق العمل ضمن مسارٍ وطني يستند إلى إرادة سياسية واضحة لتأهيل البيئة الاقتصادية بما يواكب المتغيرات الإقليمية والدولية، ويعزز مبادئ العدالة والاستقرار الاجتماعي.
ويأتي هذا التحول في إطار تحقيق رؤية “عُمان 2040” التي جعلت من تنمية الموارد البشرية والتشغيل والحوكمة العمالية ركائز أساسية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، يكون فيه الإنسان محور التنمية وغايتها.

وقد حققت السلطنة خطوات ملموسة في تطوير الإطار التشريعي المنظم لعلاقات العمل من خلال إصدار قانون العمل الجديد الذي يتضمن أحكامًا تُعنى بتحديد الحد الأدنى للأجور وتنظيم العقود، وترسيخ العدالة والمساواة ومنع التمييز، إضافة إلى تعزيز الرقابة المؤسسية في مجالات الصحة والسلامة المهنية والتشغيل المؤقت.
وتركز الجهود الحكومية والخاصة على تحقيق توازن بين مرونة التشغيل وضمان الاستقرار المهني، عبر تفعيل أدوات التشاور الاجتماعي والتفاوض الجماعي، إلى جانب الاهتمام بالصحة النفسية والبدنية للعاملين، وتطوير أنظمة الإبلاغ والشكاوى وتوسيع صلاحيات مفتشي العمل للقيام بدور استباقي في الحد من النزاعات العمالية وحماية مختلف الفئات.

كما يكرّس القانون مبدأ العدالة الوظيفية ومناهضة التمييز في مراحل التوظيف وأثناء العمل وعند إنهاء الخدمة، بما يضمن صون حقوق العامل واستقرار علاقات العمل.
ويتيح القانون للمؤسسات استخدام العقود محددة المدة حتى في الوظائف الدائمة، مع ضمان حقوق العامل، ويلزم أصحاب العمل بتشغيل القوى العاملة العُمانية في المشروعات المنتقلة كليًّا أو جزئيًّا مع الحفاظ على مزاياهم المالية، تعزيزًا لاستقرارهم المهني.
وفي مجال الرعاية الصحية، يُلزم القانون أصحاب العمل بالمساهمة في تغطية تكاليف العلاج والرعاية الصحية وفق طبيعة العقود، بينما توفر الدولة تغطية أساسية من خلال منظومة الضمان الاجتماعي. أما نظام التقاعد فيعتمد على الاشتراكات المشتركة بين العامل وصاحب العمل، بما يحقق العدالة في توزيع المنافع ويضمن شمول العاملين في مختلف القطاعات.
وتولي السلطنة أهمية خاصة لقضية الأجور بوصفها عنصرًا أساسيًّا في تحقيق العدالة الاجتماعية وتحفيز الإنتاجية، وتسعى إلى إيجاد حلول تشريعية وهيكلية متوازنة تحقق الاستقرار الاجتماعي دون الإخلال بالكفاءة التشغيلية.
وفي إطار التحول نحو اقتصاد المعرفة، تواصل الحكومة تنفيذ برامج التدريب والتأهيل المهني الموجهة لاحتياجات السوق، من خلال مبادرات مثل التدريب المقرون بالتوظيف والعقود المشروطة بالتأهيل المسبق. كما أطلقت الاستراتيجية الوطنية للمعايير المهنية التي تهدف إلى مواءمة مخرجات التدريب مع احتياجات القطاعات الإنتاجية، وتم ترخيص 10 وحدات مهارات قطاعية وتطوير 86 معيارًا مهنيًّا و4 خرائط مهنية، إضافة إلى إصدار أكثر من 4 آلاف شهادة تصنيف مهني و22 ألف رخصة مزاولة مهنة.

ونصّت المادة (21) من قانون العمل على إنشاء صندوق لتنمية الموارد البشرية الوطنية بوزارة العمل، يُعنى بتمويل برامج التشغيل والتدريب في القطاع الخاص، بما يعزز تنافسية الكوادر الوطنية ويعكس التوجه الاستراتيجي نحو دعم رأس المال البشري.
كما حدّد القانون ساعات العمل الأسبوعية بـ45 ساعة موزعة على ستة أيام، وبما لا يتجاوز تسع ساعات يوميًّا، مع استحقاق العامل لعلاوات إضافية للعمل الإضافي بنسبة لا تقل عن 25 بالمائة في النهار و50 بالمائة في الليل أو أيام الراحة.
ورغم التطور التشريعي، يظل التحدي الأبرز هو ترجمة النصوص القانونية إلى ممارسات مؤسسية تُرسخ ثقافة الامتثال وتضمن العدالة والاستدامة في بيئة العمل، من خلال شراكة متكاملة بين أطراف الإنتاج.
وأكد يوسف بن خصيب البوسعيدي مدير دائرة الخدمات النقابية والعمالية بالاتحاد العام لعمّال سلطنة عُمان، أن قانون العمل الجديد جاء متقدمًا في حماية الحقوق العمالية بما يتوافق مع المعايير الدولية، مشيرًا إلى أهمية التطبيق العملي والمتابعة المستمرة لضمان تحقيق العدالة والاستقرار في بيئة العمل.
وأوضح أن القانون وضع آليات واضحة لتسوية النزاعات العمالية الفردية والجماعية بدءًا من التظلم الداخلي داخل المنشآت وحتى الفصل القضائي النهائي، كما عزز آليات التسوية الودية عبر لجان متخصصة مثل لجنة تسوية منازعات العمل الجماعية ولجنة التحكيم في منازعات العمل الجماعية.
من جانبه، أوضح المحامي الدكتور أحمد بن علي العبري أن المرسوم السلطاني رقم 53 / 2023 الذي أقرّ قانون العمل الجديد جاء ليواكب التطورات الحديثة في سوق العمل ويحمي الطرفين — العامل وصاحب العمل — على حد سواء، موضحًا أن القانون حدد مدة العقود محددة المدة بخمس سنوات كحد أقصى، على أن تتحول تلقائيًّا إلى عقود غير محددة المدة في حال تجاوز تلك المدة بالتجديد المتكرر.
وأشار إلى أن المادة (23) من القانون نصّت على مبدأ المساواة في الحقوق والأجور عند تساوي طبيعة العمل، ومنعت الفصل التعسفي لأي سبب يتعلق بالجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو الانتماء النقابي أو الحالة الاجتماعية، مؤكدًا أن انضمام سلطنة عُمان إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يعزز من حماية الحقوق العمالية وفق المعايير الدولية.

أما رجل الأعمال عبد الله بن أحمد الذهلي فأكد أن الإصلاحات العمالية الأخيرة تمثل رافدًا أساسيًّا لجذب الاستثمارات وتعزيز بيئة العمل في السلطنة، مشيرًا إلى أن الدعم المالي الحكومي المخصص للعاملين الجدد يعكس حرص الحكومة على تشجيع المستثمرين وتقليص التحديات المالية في مرحلة التأسيس.
وأضاف أن على المؤسسات المبادرة إلى تدريب وتأهيل الشباب العُماني بما يتناسب مع احتياجاتها الفنية والإدارية، مؤكدًا أن التدريب المقرون بالتوظيف يعزز الإنتاجية ويقلل معدل دوران العمالة ويرسخ الولاء المؤسسي، ما يسهم في استدامة بيئة العمل وتحسين أداء المنشآت.





