مصفاة الدقم.. نموذج وطني للتحول الصناعي المستدام وتعزيز التوازن بين الاقتصاد والبيئة

مسقط في 8 نوفمبر /العُمانية/ تُعدّ مصفاة الدقم الواقعة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، أحد أبرز مشروعات الطاقة الحديثة في سلطنة عُمان، وتجسيدًا حيًّا للتحول الصناعي المستدام القائم على الكفاءة التشغيلية والمسؤولية البيئية والتمكين المجتمعي. وتمثل المصفاة ركيزة أساسية في بناء اقتصاد متنوع ومستدام يواكب مستهدفات رؤية “عُمان 2040″، ويعزّز مكانة السلطنة على خريطة الطاقة العالمية.

وأوضح المهندس عبد الله بن سالم العجمي، الرئيس التنفيذي لمصفاة الدقم، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية، أن المصفاة تبحث إمكانية رفع طاقتها الإنتاجية بنسبة 10 بالمائة لتتجاوز السعة الحالية البالغة 255 ألف برميل يوميًّا، مستفيدةً من كفاءتها التشغيلية العالية وقدرتها على تحقيق أقصى استفادة من أصولها دون الحاجة إلى توسعات رأسمالية جديدة، ما يعكس مستوى التطور التقني والاحترافية الهندسية التي تتميز بها.

وأشار إلى أن المصفاة، التي بلغت تكلفتها الإجمالية نحو 3.5 مليار ريال عُماني (9 مليارات دولار أمريكي)، وصلت إلى طاقتها الإنتاجية الكاملة مطلع عام 2024 بعد فترة تشغيل تجريبي ناجحة، وتمكنت من اجتياز اختبار الموثوقية من المقرضين من أول محاولة خلال عشرة أشهر فقط، في إنجاز يُعدّ من الأسرع في تاريخ مشاريع التكرير عالميًّا.

وبيّن أن المصفاة صدّرت منذ بدء التشغيل الكامل أكثر من 560 شحنة من المنتجات البترولية إلى الأسواق العالمية دون تسجيل أي حوادث تشغيلية، حيث بلغت صادراتها في أغسطس الماضي نحو 295 ألف برميل يوميًّا، وهو أعلى معدل تصدير شهري منذ بدء التشغيل، ما يؤكد استقرار الأداء وثقة الأسواق بجودة منتجاتها.

وأضاف أن مصفاة الدقم تنتج يوميًّا نحو 130 ألف برميل من الديزل، و61 ألف برميل من النافثا، و22 ألف برميل من وقود الطائرات، و15 ألف برميل من غاز البترول المسال، وتتركز صادراتها في المقطرات الوسطى ذات القيمة العالية والطلب العالمي المستقر.

وأوضح الرئيس التنفيذي أن المصفاة عملت على تنويع مزيج الخامات المعالجة لتشمل 11 نوعًا مختلفًا، من بينها خام البصرة العراقي وخامات من غرب أفريقيا، ما يمنحها مرونة تشغيلية عالية وقدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

وأشار إلى أن المصفاة تسعى إلى رفع القيمة المضافة للمنتجات منخفضة الهامش عبر تطوير النافثا لاستخدامها في إنتاج البنزين أو مادة الريفورمات، وزيادة إنتاج المقطرات الوسطى بما يتماشى مع التحول العالمي نحو الوقود النظيف والمنتجات ذات الكفاءة الطاقية العالية.

وفي جانب الاستدامة البيئية، أوضح المهندس العجمي أن المصفاة تعتمد منظومة متكاملة لإدارة الطاقة والموارد، حيث تم تركيب منظومة للطاقة الشمسية على مساحة 47 ألف متر مربع تُولّد نحو 6.2 جيجاواط/ساعة سنويًّا من الكهرباء، مما يسهم في خفض الانبعاثات وتحسين كفاءة الطاقة. كما يتم تحويل 85 بالمائة من النفايات الخطرة إلى طاقة ضمن نهج “التحويل بدلًا من التخلص”، بما يعكس التزام المصفاة بتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري.

وأضاف أن المصفاة أعادت استخدام 3.4 مليون متر مكعب من المياه خلال عام 2024، وزرعت أكثر من ألفي شتلة في منطقة الدقم دعمًا لجهود التشجير وحماية التنوع البيئي، مؤكدًا أن الاستدامة في المصفاة ليست مجرد شعار بل ممارسة تشغيلية تُعزز الكفاءة وتقلل البصمة الكربونية وتدعم توجه سلطنة عُمان نحو التحول الأخضر.

وفي الجانب الاقتصادي والمجتمعي، أشار العجمي إلى أن إجمالي الإنفاق على المشتريات المحلية بلغ 158.6 مليون ريال عُماني (412.4 مليون دولار أمريكي) خلال عام 2024، خُصص منها نحو 15 مليون ريال عُماني (38.9 مليون دولار أمريكي) لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أي بنسبة 9.46 بالمائة من إجمالي الإنفاق المحلي، في إطار التزام مجموعة “أوكيو” بدعم المحتوى المحلي وتمكين القطاع الخاص الوطني.

وبيّن أن المشروع أسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية بمحافظة الوسطى وتعزيز نمو الشركات المحلية في مجالات الخدمات اللوجستية والمقاولات والطاقة والنقل والإمدادات، مما أوجد فرصًا اقتصادية جديدة وساهم في تنمية المجتمع المحلي وتعزيز التكامل التنموي في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.

كما نفّذت المصفاة خلال عام 2024 أكثر من 30 مبادرة مجتمعية في مجالات التعليم والصحة والبيئة وتنمية الشباب وريادة الأعمال، استفاد منها أكثر من 31 ألف مستفيد مباشر، من أبرزها برنامج “على الدرب الأخضر” بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، ومبادرة “معرفة” لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والبرنامج القيادي الصيفي بجامعة أكسفورد لتأهيل الشباب العُماني.

وأشار إلى أن المصفاة قدمت أكثر من 22 ألف ساعة تدريبية خلال عام 2024، ورفعت نسبة التعمين إلى 67.5 بالمائة متجاوزة المستهدف البالغ 65 بالمائة، إلى جانب تنفيذ برنامج “نُمو” لتأهيل القيادات الوطنية الشابة وبرامج تدريبية لخريجي المجتمع المحلي في ولاية الدقم.

وأكد المهندس العجمي أن مصفاة الدقم تعتمد أحدث التقنيات الصديقة للبيئة في إدارة الموارد، ما جعلها من أكثر المصافي التزامًا بمعايير الاستدامة في المنطقة، مشيرًا إلى أن موقعها الاستراتيجي في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم جعلها محورًا أساسيًّا في التكامل بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عُمان.

واختتم الرئيس التنفيذي تصريحه بالتأكيد على أن مصفاة الدقم تمثل نموذجًا وطنيًّا للتميز الصناعي والتشغيل المستدام، وتسهم في تعزيز مكانة السلطنة على خريطة الطاقة العالمية، مجسدّةً التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، ومقدمةً نموذجًا لصناعة مسؤولة ومستدامة تخدم الإنسان والمجتمع والاقتصاد على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى