الذكاء الاصطناعي بين القيم الإنسانية والتحديات الأخلاقية

مسقط في 12 نوفمبر /العُمانية/ يمثل الذكاء الاصطناعي أداةً محورية لتعزيز الكفاءة والإنتاجية ودعم التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، غير أن التوسع السريع في استخدامه يثير تساؤلات أساسية حول أخلاقياته ومدى توافقه مع القيم الإنسانية. وبينما تسعى الدول لتوظيف هذه التقنية في دعم الابتكار والتنمية، تبرز الحاجة إلى وضع أطر تشريعية وأخلاقية تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي.

ويكتسب البعد الأخلاقي أهمية خاصة مع اتساع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم والصحة والإعلام والاقتصاد، حيث لم يعد الموضوع يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل أصبح مرتبطًا بالقيم الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية. ويؤكد المختصون على ضرورة سن تشريعات أخلاقية تواكب هذا التطور لضمان أن تظل التقنية في خدمة الإنسان لا العكس.

وفي هذا السياق، أشار الدكتور خليفة بن محمد الكندي، أستاذ مساعد بكرسي جامعة نزوى لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلى أن التطور السريع للتقنيات يصاحبه تحديات أخلاقية تستدعي وضع ضوابط واضحة، أهمها: الاعتماد على بيانات قد تكون غير دقيقة أو متحيزة تؤدي إلى نتائج تمييزية، والمخاطر الناتجة عن جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية، خاصة عند استخدامها في المراقبة الجماعية أو التتبع دون موافقة صريحة. وأضاف أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يقلل من القدرات البشرية على التفكير النقدي والإبداع، ويحوّل الإنسان من صانع للتكنولوجيا إلى تابع لها، كما أن غياب الشفافية والمساءلة في عمل الأنظمة الذكية قد يضعف ثقة الأفراد ويعرّض المجتمعات لمخاطر غير محسوبة.
وأكد الدكتور الكندي أن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ضرورية لتحقيق توازن بين التقدم التقني والقيم الإنسانية، عبر توثيق عمليات التطوير بشفافية، وتقليل التحيزات، وضمان العدالة والشمولية، بالإضافة إلى حماية خصوصية البيانات الشخصية واعتماد معايير صارمة لجمعها وتخزينها، مع دعم الابتكار المسؤول الذي يدمج بين الذكاء البشري والاصطناعي لتحقيق نتائج أكثر فعالية وإنسانية.

ومن منظور الفلسفة الإسلامية، ترى شنونة بنت محمد البروانية، رائدة أعمال ومتخصصة في الاقتصاد الرقمي، أن الذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للإنسان، بل أمانة ومسؤولية تتطلب إدارة بنية الإصلاح والإحسان، ويجب أن تقوم العلاقة بين الإنسان والآلة على التكامل لا الاستبدال. وأضافت أن الذكاء الاصطناعي يحاكي أنماط التفكير البشري لكنه يفتقر إلى الوجدان والنية، بينما الإبداع البشري ينبع من التجربة والمعنى، وعند دمج الإنسان في عملية اتخاذ القرار يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة تضاعف القدرات البشرية.

من جانبه، أوضح المهندس رائف بن علي الزكواني، مدرب الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل، أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك قيمًا أخلاقية بحد ذاته، لكنه يمكن توجيهه عبر هندسة الأوامر والبرمجيات لتطبيق مبادئ احترام الخصوصية والعدالة والشفافية والمسؤولية. وأضاف أن العديد من المنظمات العالمية تعمل على وضع أطر أخلاقية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان والمجتمع، وفي سلطنة عُمان، يتم تضمين القيم الأخلاقية في برامج الذكاء الاصطناعي بما يحترم حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية والمبادئ الإسلامية.
وأكد الزكواني أن الذكاء الاصطناعي امتداد للذكاء البشري وليس بديلاً عنه، وأن الإنسان يظل جوهر الإبداع ومصدر القيم الفريدة مثل المشاعر والإدراك والتأمل والخيال، في حين يقتصر الذكاء الاصطناعي على تنفيذ الأوامر والتعلم من البيانات ومحاكاة السلوك البشري بشكل حسابي دون امتلاك وعى أو مشاعر حقيقية.
هذا النقاش يسلط الضوء على أهمية التوازن بين الابتكار التقني والحفاظ على القيم الإنسانية، لضمان أن يظل الذكاء الاصطناعي أداةً في خدمة الإنسان والمجتمع، لا تهديدًا لها.





