المعروف لا يُعرَّف…

كتب / سعيد بن مسعود المعشني
لا أعرف لماذا يحرص بعض أعضاء مكتبي مجلسي الدولة والشورى، بعد كل اجتماع مع المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة — حفظه الله ورعاه — على الخروج إلى الإعلام مسرعين ليخبرونا بأنهم “تفاجأوا بعمق اطّلاع جلالته على كل الملفات التي تهم المواطن، واهتمامه بإيجاد حلول لها”.
والسؤال البديهي هنا: هل كان هؤلاء يتوقعون أن جلالته يعيش في كوكبٍ آخر؟ أو أن ما يجري في البلاد لا يصله إلا عبر منابرهم؟
هذا النوع من التصريحات، وإن كان يُراد به المديح، إلا أنه في حقيقته يسيء أكثر مما ينفع. فهو لا يعبّر عن وعيٍ بطبيعة الدور، ولا عن فهمٍ لموجبات الخطاب العام وأصوله، ولا عن الرسالة التي ينبغي أن تصل إلى المواطن. بل يوحي — دون قصد ربما — بأن الاطلاع العميق على شؤون الوطن أمرٌ استثنائي، بينما هو في الواقع أمر بديهي لرأس الدولة.
أعرف — كما يعرف كثيرون — أن عددًا من هؤلاء الأعضاء، حالهم كحال بعض المسؤولين في أجهزة حكومية أخرى، يفتقرون إلى الحد الأدنى من مهارات مخاطبة الرأي العام. ولذلك تأتي زلاتهم مخجلة أحيانًا، وأقل ما يمكن وصفها بأنها تصريحات ساذجة لا تليق بالمقام، ولا بما يجب أن يُقال، ولا بالمؤسسة التي ينتمون إليها.
من هنا، فإن النصيحة التي أوجّهها لإدارتي المجلسين واضحة ومباشرة: في الاستحقاقات القادمة، اختاروا بعناية من يجيد تمثيل المؤسسة، ويزن الكلمة قبل أن ينطق بها.
فهذه الاجتماعات التي يخصصها جلالته لرئيسي وأعضاء مكتبي مجلس الدولة والشورى، وإن غلبت على بيانات أخبارها الصياغة الرسمية المعتادة، إلا أنها في جوهرها رسالة تقدير واضحة لمؤسسة مجلس عُمان، ولدورها المفترض في نقل هموم المواطنين، والاستماع إلى من يمثلهم مباشرة، في إطار حرص جلالته على إيجاد حلول منطقية ومسؤولة للملفات التي تشغل الشأن العام، بما يوازن بين سياسات السلطة التنفيذية وطموح مؤسسة الشورى في البلاد بجناحيها.
لقد وُجد مجلس عُمان ليكون حلقة وصل حقيقية بين المواطن والدولة، لا منصة للدعاية الانتخابية، ولا مسرحًا للمبالغات، ولا وسيلة لدغدغة مشاعر الجماهير بشعارات يعلم الجميع أنها غير ممكنة.
فكلما ارتقى الخطاب، ارتفعت معه ثقة الناس بالمؤسسات، وكلما ساء وتشنّج، أساء أولًا لمن نطق به، ثم لمن اختار صاحبه ليمثله…
وكان الله بالسر عليم.





