في زيارة خاطفة لبيت الشيخ عبدالله بن راشد السيابي واستشراف عوالم حاسوبه الشخصي

بقلم/ حمود بن سالم السيابي

كانت الليلة قمراء ساعة تتبعناه من جامع الفردوس بمرتفعات بوشر.
وكانت عمامته قمرا آخر فمشيت والإبن الفيصل نحو بيته في مرتفعات الضباط بهدي من الأهداب المضيئة للعمامة الشامخة.
وفي مجلس فسيح ازدان بسقف مغربي الزخرفة جلسنا بجواره وبيننا صورة للفيحاء والوادي الذي يشقها بينما الشيخ المكرم الدكتور عبدالله بن راشد السيابي يترنَّم بلامية أمير البيان ليحفِّز الوادي السمائلي على التدافع:

“كأن قميص الضفتين زبرجد
وبالشعب من عين السما خير سائلِ

كأن ظِباها في الخمائل رتعا
سهام القضا لكن على المتطاولِ”

فتمتمتُ في داخلي بلامية سيدي الهلال السيابي وريث أمير البيان والحامل للواء الشعر بعده وأنا أتفحص بين النخيل الباسقات بيتنا ودروبنا وعمرنا :

“سمائل والذكرى يترجمها الهوى
فتبعث بالأمشاج والقلب ذاهلُ

لئن باعدتني عن هواك نوازعي
فما باعدتني عن هواك النوازلُ

علقتك والأيام بيضٌ كرائم
وحبل التصابي طولته الطوائلُ”

استعدنا مع الشيخ السيابي صبا الزمن الجميل بين “غيل الدك” و”الغبرة” الخضراء.
واحتسينا “قشرية” دلال سبلة “الصافية” ودلال سبلة الشيخ راشد بن عَزيز بمذاق الشوق للآباء.
وأخذنا الحديث إلى منابع أودية العمر وإلى أيامه الأولى في غبرة سمائل حيث عمامة والده التي لطالما عطرت الدروب بين الفيحاء وبلاد الحرمين حاجَّاً ومعتمرا.
وعرَّجْنا على أخواله في سرور حيث اقترب الطالب عبدالله بن راشد لأول مرة من حلقة الدروس التي يقيمها شيخنا العلامة حمود بن حميد الصوافي صاحب الأفضال على أبناء سرور بل على الكثيرين من أبناء عُمان.
وطافتْ في البال “موسوعتا” الشيخ الدكتور السيابي “معجم القضاة العمانيين” و”تحفة الأنام فيما لسمائل الفيحاء من معالم وأعلام” فبحثتُ في جنبات المكان عن المكتبة التي لا بد وأن تكون ضخمة لترفد الموسوعتين وبقية المنجزات البحثية للشيخ.


وقبل أن أكمل دهشة الطواف في المكان مشينا خلفه فنرتقي المرْمرْ الأبيض لسلم الصعود حيث مكتبة الشيخ المكرم الدكتور عبدالله بن راشد السيابي ومحرابه وخلوته.
احتوتنا الأرفف التي توزعت على الحيطان الأربعة للقاعة الفسيحة وقد تراصت بأمهات الكتب في علوم القرآن والحديث والفقه وعلوم اللغة والتراجم والسير والتاريخ ودواوين الشعر.
وكان الشيخ يشير ويرشد ويلفت الانتباه وهو يفتح هذا الباب الزجاجي وذاك لأبواب مكتبته العامرة ، وقد تجاور علماء عمان والمشرق العربي وإخوانهم المغاربة في هذا الحيز المكاني من هذه الربوة العالية.
كما تلاقت العديد من الأجيال والعمائم والمدارس والاتجاهات.
سألناه بدافع الفضول عن الأقدم بين هذه الكنوز لنشم عبق الأمس وعطر الأيادي الكاتبة والمتصفحة فقال: “إن جل الطبعات القديمة محفوظة ببيته في الفيحاء ، فهي حصاد أسفار والده ومراوداته لمكتبات أسواق الحرمين وبعض بلدان الخليج ونتاج مشترياته من باعة الكتب التي تنقلها المراكب إلى البندر.
لمحنا ركنا بكتب الإمام الرضي نور الدين السالمي وركناً تلألأ بجواهر بدر الدين الخليلي وثالثا ازدان بكتب سيدنا الوالد وأركانا وزوايا تعطرت بأمهات الكتب لأعظم الكُتَّاب.
وكان المجلد الثاني من الموسوعة الشعرية “أصداء من وادي عبقر” ما زال على المنضدة بجوار حاسوبه الشخصي ، ولعله بين أحدث مراجعات الشيخ ، إذ وضع عليه ما يشير إلى المسافة التي قطعتها القراءة ، فالشعر رحمٌ بين أهله.
أما أجمل ما حفلتْ به زيارتنا لمكتبة الشيخ عبدالله بن راشد السيابي تمثّل في “استشراف” عوالم حاسوبه الشخصي عبر شاشته الكبيرة ، لنلتقي بأحدث الأعمال التي تستنزف وقت الشيخ وجهده هذه الأيام.
فتحَ الشيخ المكرم الدكتور عبدالله بن راشد السيابي الحاسوب فكان كتاب “فيض الأنوار في الصلاة على النبي المختار” الذي شرع في كتابته قبل أربعة أشهر وهو على سجادة المسجد النبوي في طيبة الطيبة وذلك يوم الخميس التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة ١٤٤٤ هـ.
وبدأت العيون تسابق تقليبه للصفحات حبا في النبي وفرحة بالكتاب.
استفتح الشيخ كتابه بعد البسملة “بالحمد لله الذي اجتبى نبيه لخاتمة الرسالات ، وأيده بالدلائل والحجج القاطعات ، ونصره بالمعجزات الباهرات وأمرنا بالصلاة والسلام عليه في محكم الآيات”.
ثم طاف بنا سريعا بالمحتويات التي اقتربت من ١٨٠ صفحة.
سرّحتُ البصر في قاعة المكتبة ومحتوياتها حيث يتوحَّد الشيخ مع حاسوبه وهدأة الصبح.
وما أن ينهي الشيخ صلاة الفجر في جامع الفردوس بمرتفعات بوشر حتى يرتقي ذات السلم الذي ارتقيناه معه ليستحضر بقلبه وعقله صاحب الحوض صلوات الله وسلامه عليه وهو في أعلى الفراديس ليعيش تجلياته وكأنه بجواره ، وبالقرب من حوضه ، وعلى وشك أن يهنأ بشربة لا ضمأ بعدها من يديه.
وهنا يخلو الشيخ مع كل ما يرفد بحثه من فيوضات الأنوار في الصلاة على النبي المختار.
ولمجرد أن تتسلل “أخت يوشع” بضيائها مجترحة الستائر ومتحدية بدفئها برودة التكييف حتى ينزل الشيخ ليفطر.
ثم يستكمل التزاماته الرسمية ولقاءاته المجدولة.
وإذا ما خلا النهار من الالتزامات صعد مجددا ليستأنف خلوته وليكمل مشروع عمره “فيض الأنوار”.
أو يضع اللمسات الأخيرة على كتابه الآخر “الأسئلة والأجوبة” في الفقه واللغة والتي تبادلها مع مجايليه ، وينوي الدفع به للمطبعة قريبا ليضاف لعناوينه المنجزة.
أنهينا زيارة المكتبة وعدنا إلى المجلس حيث سمائل تنتظرنا صورة وشوقا فودعناه.
وفي الطريق إلى البيت كان قمر الليالي البيض لشهر شوال فوق رؤوسنا ، والضوء العالق في الدرب لعمامة الشيخ الدكتور عبدالله بن راشد السيابي هو المضيئ لمسار العودة.
وما دمنا في حضرة العمامة السمائلية فما أجمل أن نختم بما رصعه الشيخ الدكتور عبدالله بن راشد السيابي العالم والقاضي والفقيه والباحث والمؤرخ والشاعر الجبين السمائلي :

سلام على الفيحاء وهي حميدة
بأزكى خصال المجد وهي فواضلُ

سلامٌ عليها إذ أقامت مآذنا
تهلل بالإيمان تلك المحافلُ

لقد سبقتْ تبغي الهدى في رياضهِ
وتنْهلُ منه وهو بالخير هاطلُ

على ظهر قصواء الفيافي تكلَّلتْ
مسيرتها باليُمْن وهي تواصلُ

تحطُّ ركاب السير في طيبةِ المنى
إلى حيث نور الله والدين كاملُ
———————————
مسقط في الرابع من مايو  ٢٠٢٣م.

زر الذهاب إلى الأعلى