وللهلال عودة.. فلن تغرق البادية في الظلام

بقلم / حمود بن سالم السيابي
تسحَّب من المشهد منذ سنين ليعتاد الناس غيابه ، وظلَّ المشهد يعيده كل لحظة ليحضر بقوة في الغياب.
ولأن بين كل كريمين مجلس فهنك المتسع الذي لن يُملأ إلّا بحضوره فهو الذي يبتدر “المناشدة” عن “العلوم والأخبار”.
وسيرتبك “مُغَنِّم” القهوة إن لم تدفعه السبلة نحو الشيخ الذي يرأس المجلس حيث يجلس ، فله الرطبة الأولى في “التَّقْدوم” وله الفنجان الأول في “التَّغْنيم”.
عاش الشيخ هلال بن سلطان بن سيف الحوسني ظلَّاً يطاول أباه فتماهى الظل في الأصل لدرجة الصعوبة في التفريق بين الأب الشامخ والابن الشامخ.
وتخبرنا سيرته بأنه لم يستمتع بطفولته كبقية أبناء بادية الحواسنة إذ رضع المجد وراثةً وتكليفاً فشبَّ عن الطوق سريعا وتخنجر وتحزَّم وتنكَّب بندقيته ليقتسم التكليف التاريخي مع أبيه فيتداولا المهام.
وتطالعنا الحوليَّات العمانية أن الشيخ هلال بن سلطان الحوسني كان أحد رجال العهد “السَّعيدي” كأبيه.
وكان على رأس الثغر الرابع لصلالة ضمن تسلسل خطوط دفاعات المدينة وفق تكتيكات السلطان الأسبق سعيد بن تيمور.
وأنه في مطلع سبعينيات القرن الماضي كان الشيخ هلال بن سلطان الحوسني أحد قلائل من رفقاء التطواف القابوسي في أرجاء عمان لنقل بشارات الزمن العماني الأنور.
ثم تقلَّب الشيخ هلال الحوسني في التكليفات الحكومية إلى أن تولى لفترة موقع الوكيل في وزارة العدل.
وشاءت الأقدار أن يُبْتلى ابتلاء المؤمنين ليلزم فراشه لسنين فلم يعتزل باديته ولا مجتمعه ولا عمان التي يعرفها وتعرفه ، بل تحوَّل الفراش ديواناً للبادية وخيمة الشَّعْر المَفتوحة بذات رائحة القهوة وهيبة الجلسة ورجولة القافية والحكايات التي تربِّي العنفوان وترمم الأرواح.
ولربما منعه المرض من مزاولة شغف الجلوس تحت ظل الغاف في عزبة الفلوات فجاء شجر البر وظله وروائحه إلى حيث هو على فراشه.
وجاءته النوق بأعناقها المطأطئة لتستريح في قرنفل أنفاسه.
وساعة نعى الناعي رحيله نهض الشيخ هلال بن سلطان الحوسني من رقدته الطويلة لأن التاريخ لا يموت بل يحيا.
ووحدها الأبدان التي توارى في زعفران الأرض لتبقى المآثر تكثف ألقهَا وحضورها في تفاصيل التفاصيل.
ولربما أضناه الشوق فلحق الشيخ هلال الحوسني بأبيه ، لكنهما سيبقيا معا في الذاكرة كما كانا معا في المكان والمهام والتكليفات.
وستظل شجرة الحواسنة خضراء وسامقة لأنها في واحة لا يموت فيها الشجر طالما أنه يستسقي ينابيع الأمجاد.
وسيبقى “هلالٌ” كالهلال يتجدَّد ليبشِّر مطالع البادية بالضياء.
رحم الله الشيخ هلال بن سلطان بن سيف الحوسني وبارك في الخلف المترسِّم خطى السلف.





