طُرُق الحج عبر التاريخ

منصور جبر
@mansourjabr

منذ أن دعا إبراهيم عليه السلام ربه قائلا : { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } وأفئدة الناس تهوي إلى ذلك الوادي بمكة ،
ومنذ أن نادى بالحج والناس يتوافدون إليه من كل مكان .
فحج إليه الأنبياء والصالحون والمؤمنون الموحدون ،
وحج إليه الناس في جاهليتهم بعد وقوعهم في عبادة الأوثان .

ولم يترك الناس منذ الأزل تعظيم هذا البيت وتقديسه ومهابة حُرمتِه وجَنَابِه .

وعبر التاريخ اتخذ الناس وسائل عدة لذهابهم إلى مكة وأداء شعيرة الحج ،
فكان بعضهم يأتون إليها راجلين يمشون على أقدامهم ،
وبعضهم يمتطون الدواب كالخيل والبغال والحمير والإبل ،
وبعضهم كان يركب البحر ليحج إلى بيت الله .

ولما جاء الإسلام وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم مواقيت الحج المكانية يسر على الناس طريق الحج ورشَّد مسيرته ،
ثم انتشر الإسلام في أصقاع الأرض ، وأصبح الولاة والسلاطين وحكام المسلمين يسعون لخدمة الحجيج وتيسير الطرق الموصلة إلى مكة والمشاعر ،
كانت الإبل هي أهم وسيلة للمواصلات آنذاك .

كانت رحلة الحج طويلة شاقة ، وقد تمتد لعدة أشهر ذهابا وإيابا ،
يكابد الناس فيها العناء والتعب ، والمشقة والنصب ، ويتعرضون فيها لكثير من المخاطر والصعاب ،
وكل ذلك يهون في سبيل أداء ركن الإسلام الخامس محتسبين بذلك الأجر العظيم ،
متشوقين لرؤية كعبته والطواف بها ، والوقوف بعرفات حيث التجلي والرحمات .

ولما حجت زبيدة بنت جعفر زوج هارون الرشيد ورأت مشقة الحج على الناس ومدى معاناتهم
من وعورة الطريق وقلة الزاد وندرة وجود الماء وأن بعضهم يموت من شدة الحر والعطش قامت بإنشاء درب زبيدة .

وهو درب يبدأ من الكوفة بالعراق حتى مكة المكرمة .

ويعد هذا الطريق من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي ،
وقد اشتهر باسم ” درب زبيدة ” نسبة إلى السيدة زبيدة التي أسهمت في عمارته .

يمتد درب زبيدة ” طريق الحج الكوفي ” من مدينة الكوفة في العراق مروراً بشمال الجزيرة العربية ووسطها وصولاً إلى مكة المكرمة ،
ويبلغ عدد المحطات الرئيسة في هذا الطريق سبعاً وعشرين محطة ،
ومتوسط ما بين كل محطة ومحطة نحو 50 كم ،
ويبلغ طوله في أراضي المملكة أكثر من 1400 كم ، حيث يمر بخمس مناطق وهي : الحدود الشمالية ، وحائل ، والقصيم ، والمدينة المنورة ، ومكة المكرمة .
ثم أنشأت عين زبيدة في عرفات ، فنفع الله الناس بها نفعا عظيما ، واستمرت قرون طويلة .

وكانت للحجيج طرق ومحطات أخرى ينطلقون منها للحج والعمرة ، للوصول إلى مكة ، منها :

  • طريق الحج الشامي ، ونقطة انطلاقه دمشق ، وفيها يجتمع الركب تحت إمرة الخليفة أو من ينوب عنه إمرة الحج.
  • طريق الحج العراقي ، ويمر عبر طريقين أحدهما يبدأ من الكوفة وهو ما يسمى بدرب زبيدة زوج هارون الرشيد.
  • طريق الحج العماني ، وله مساران ،
    أحدهما يتجه من عُمان إلى يَبرين وهي واحة تقع على بعد 210 كيلو متر جنوب الرياض ،
    وطريق آخر طريق آخر يتجه إلى فرق ، ثم تتابع القوافل سيرها على أحد الطرق اليمنية الرئيسة المؤدية إلى مكة.
  • طريق الحج المصري ، وهو طريق أيضا لسكان ليبيا وتونس والمغرب العربي وبعض بلاد أفريقيا ،
    كما كان الدرب يُستخدم من قبل الحجاج القادمين من الأندلس.
  • طريق الحج اليمني ، تبدأ الرحلة من صنعاء عاصمة اليمن إلى الرحابة ثم إلى ريدة وتمر بمناطق وطرق عدة حتى تصل إلى مكة.
  • طريق حج البحرين اليمامة ، يعبر الأجزاء الوسطى من شبه الجزيرة العربية ،
    مارًا بالعديد من بلدانها وأقاليمها ، ويربط بين الحجاز والعراق آنذاك .
  • طريق سبع المَلاف ، وقيل سمي بهذا لأن به سبع لفات ، وهو طريقٌ صحراويٌ تاريخي ، كان يَسلُكه الحجاجُ والمسافرون القادمون من منطقة نجد وشرق السعودية إلى الحجاز ،
    يبدأ الطريق من منطقة الرياض وينتهي بمنطقة مكة المكرمة.
    كان الناس يأتون من هذه الطرق للحج سيرا على أقدامهم ، أو يمتطون دوابهم ،
    ويكابدون فيها عناء المشقة والسفر وبُعد المفاوز ،
    يفدون إلى بيت الله الحرام من كل فج عميق شُعثاً غُبرا
    لكنهم فرحين بقدومهم إلى مكة المكرمة ورؤية بيت الله العتيق ،
    وأدائهم لشعيرة الحج العظيمة .
    ومن الطرق الحديثة طريق سكة حديد الحجاز ، والتي أنشأها السلطان عبدالحميد الثاني سنة 1900م ، وتم افتتاحها سنة 1908م ،
    وهي طريق تربط بين دمشق والمدينة المنورة ، بطول 1320كلم ،
    بهدف التيسير على الحجاج للوصول إلى مكة المكرمة ،
    ويمر الطريق بعدة محطات وجسور ،
    ثم توقف تشغيل الطريق عام 1916م خلال الحرب العالمية الأولى .

ومع تقدم البشرية في العلم والنهضة وانتشار السيارات والطائرات وسهولة حركة السفن يسر الله على الناس الحج بصورة أكبر ، فكان تيسيرا من الله للناس ، وفتحا عظيما لهم .

زر الذهاب إلى الأعلى