أوراق الخريف.. سلطنة عمان دولة آمنة للدول والشعوب

د. أحمد بن سالم باتميرا
لا تختار سلطنة عُمان أن تكون دولة وساطة أو مفاوضات، لكنها تُدفع إلى هذا الدور من قبل الآخرين، لما عُرف عنها من ثبات المبادئ في نظامها السلطاني، وحكمتها القائمة على “التسامح، التفاهم، والتعايش”. وهي ذاتها الرسالة التي حملتها السلطنة إلى العالم منذ عقود، وجعلت منها صوت العقل في منطقة مضطربة.
لقد رسّخت عُمان نهجًا ثابتًا بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وامتنعت عن الانخراط في النزاعات أو إذكاء الفتن والحروب. هي دولة تتبنى فلسفة سلمية ودبلوماسية منذ القدم؛ حتى إن أهلها دخلوا الإسلام طواعية، ما يعكس عمق نهجها الروحي والإنساني. وعليه، فإن سياستها تقوم على تعزيز عقيدة السلام، وتشجيع الحوار والتعايش بين الأديان والدول والشعوب.
واليوم، لا يختلف اثنان على أن لعُمان مكانة فريدة وثقافة سياسية متزنة، وأرضية صلبة تجعل منها بيئة آمنة للحوار والتفاوض. ويشهد التاريخ أن السلطنة ظلت وفية لنهجها، متواصلة حضاريًا مع الأمم والحضارات، تسعى لمنح الأمان والاستقرار بمختلف أبعاده: الاجتماعي، النفسي، الاقتصادي، والمالي.
فخيار السلام في عُمان ليس مجرد سياسة، بل مدرسة سلطانية متجذرة، أثبتت فاعليتها في مختلف المحطات، متى ما توفرت الإرادة والنوايا الصادقة. أما الإخفاقات، فكانت دومًا نتيجة تدخلات خارجية أو اضطرابات داخلية في بعض الدول. فالحروب لا تخلّف سوى الدمار والوفيات، وتكلفتها أعلى بكثير من كلفة السلام.
من هنا، فإن الأمل يظل قائمًا في أن يعمّ السلام كوكب الأرض، وأن تتفرغ البشرية للعيش والإبداع والتقدم. فالعالم الذي نعيشه اليوم، وهو يغلي بالصراعات، أحوج ما يكون إلى قيم التسامح والتفاهم، وإلى بيئة حاضنة للاستقرار والوئام.
وفي ضوء ذلك، فإن العالم كله مُطالب اليوم بالتدخل العاجل لوقف الحروب في غزة وفلسطين، وفي السودان، وأوكرانيا، وسائر مناطق النزاع؛ فالصراعات تتخذ أشكالًا جديدة، من الحروب السيبرانية والصحية إلى النزاعات الاقتصادية والضرائبية، بينما تلوح في الأفق موجات أعنف لا يمكن صدّها. إنها معركة النفوذ والعقيدة، حيث سقطت الأقنعة وتحددت المواقف.
رغم كل ذلك، تواصل سلطنة عُمان التمسك بثوابتها الإسلامية والسياسية، محتفظة باحترامها الإقليمي والدولي، وساعية دومًا إلى تقديم الحلول لا تأجيج النزاعات. وهي لا تتوانى عن بذل جهودها الحميدة في حل الخلافات متى طلب منها الأطراف المعنيون. وكما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارة له إلى السلطنة: “مسقط لا تبيع ولا تشتري في القضية الفلسطينية، وبوصلتها ثابتة”.
هذا هو نهج السلطنة، لم يأتِ من فراغ أو استجابة لتحولات راهنة، بل هو إيمان راسخ بالحكمة والعقل. لذا لم يكن غريبًا أن تختارها كل من طهران وواشنطن لاحتضان المفاوضات الحساسة بينهما، وهي مفاوضات تحتاج إلى بيئة مؤهلة لا تتوفر إلا في عُمان، التي تمتلك مفاتيح المعادلة الصعبة: الحياد، الثقة، والرؤية.
واليوم، ترى عُمان أن الحاجة ملحّة لترسيخ السلم والأمن الدوليين، عبر تقريب وجهات النظر وإبرام اتفاقيات تعزز الاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. ومن هذا المنطلق، ترحب السلطنة بالجميع في أرضها، التي ترفع شعار التعايش والتسامح، وتفتح ذراعيها لكل من ينشد الاستثمار، والحرية، والأمان.
والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا
د. أحمد بن سالم باتميرا
كاتب ومحلل سياسي





