اليوم العالمي للغة العربية.. رؤى وسياسات تصوغ مستقبلًا لغويًا أكثر شمولًا وابتكارًا

مسقط في 17 ديسمبر 2025 /العُمانية/تحتفي سلطنة عُمان غدًا، إلى جانب الدول الناطقة باللغة العربية، باليوم العالمي للغة العربية لعام 2025 تحت شعار: «آفاق مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات ترسم مستقبلًا لغويًا أكثر شمولًا»، في مناسبة تسلط الضوء على أدوار التعليم والإعلام والتقنية والسياسات العامة في تعزيز حضور العربية وتوسيع مجالات استخدامها بما يراعي الأبعاد الاجتماعية والثقافية.

ويعكس شعار هذا العام انسجامًا مع توجهات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في إدارة التحولات الاجتماعية لتحقيق تنمية شاملة قائمة على المعرفة، لاسيما في ظل تسارع التحول الرقمي وما يفرضه من تحديات وفرص أمام اللغات الحية، ومنها اللغة العربية.

ويأتي الاحتفاء في وقت تتنامى فيه المبادرات العربية الهادفة إلى تعزيز استخدام العربية في التعليم، والفعاليات الثقافية، والمنصات الرقمية، والحوارات الفكرية، خصوصًا في المجتمعات متعددة اللغات أو محدودة الموارد. وتشير اليونسكو إلى أن احتفالات هذا العام تركز على ممارسات مستقبلية تدعم المساواة بين اللغات، وتمكّن المجتمعات الناطقة بالعربية، وتضمن استمرارية حضورها وقدرتها على التكيف بوصفها لغة متجذرة في التراث الثقافي.

وفي هذا السياق، يؤكد البروفيسور عبد الله بن سيف التوبي، مدير مركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن استدامة اللغة العربية تستلزم إعادة ربطها بالمعرفة والإبداع وسوق العمل، مشددًا على ضرورة أن تكون لغة تعليم جامعي، ونشر علمي محكّم، وإعلام متطور، وأداة فاعلة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.

وأوضح أن تبني سياسات لغوية واضحة وملزمة في القطاعين العام والخاص، إلى جانب دعم الترجمة وتوطين العلوم، يمثل ركيزة أساسية لتعزيز مكانة العربية، مع أهمية إبراز لهجاتها وآدابها المحلية بوصفها مكونات للتنوع الثقافي. كما دعا إلى بناء استراتيجية ابتكار لغوي تحافظ على الهوية والبنية الجمالية للعربية، وتدعم تطوير المعاجم، وتوحيد المصطلحات، وتعريب التقنيات، وتشجيع المحتوى الرقمي والإبداع الأدبي، مع إشراك الشباب في صياغة مستقبل اللغة عبر بيئات تعليمية رقمية جاذبة.

من جانبه، أوضح عبد الله بن محمد الحارثي، مدير عام المعرفة والتنمية الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، أن اليوم العالمي للغة العربية يمثل تكريمًا لإسهامات العربية في العلوم والآداب والفنون، واعترافًا عالميًا بمكانتها، فضلًا عن شرفها كلغة للقرآن الكريم. وأشار إلى دور العربية التاريخي كلغة للعلم والحوار بين الحضارات، وما تتميز به من ثراء وتنوع مكّنها من استيعاب مختلف المعارف.

وبيّن الحارثي أن العُمانيين أسهموا عبر التاريخ في علوم اللغة والأدب، وخلّفوا إرثًا غنيًا من المخطوطات في مجالات متعددة، حظيت بالعناية حفظًا وترميمًا ونشرًا. كما استعرض جهود الوزارة ضمن استراتيجيتها الثقافية، من خلال مهرجان الشعر العُماني، والمسابقات والجوائز الثقافية، ومشروعات البحث في التاريخ المروي والموروث اللغوي، والتعاون مع المنظمات العربية المتخصصة لدعم حضور العربية إقليميًا ودوليًا.

وأشار إلى أن شعار هذا العام يعكس دعوة لتعزيز قدرة اللغة العربية على مواكبة التحولات الرقمية والتقنية، وتوسيع حضورها في المنصات والموسوعات الإلكترونية، مؤكدًا أن اللغة تمثل هوية ثقافية وفكرية، وبحضورها الفاعل يتجلى الإبداع ووضوح الرسالة.

بدورها، أكدت الدكتورة هدى بنت مبارك الدايرية، رئيسة قسم الشؤون الثقافية باللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، أن الثراء اللغوي للعربية وتجلياتها في الحضارات السابقة دليل على مكانتها وتأثيرها العالمي، مشيرة إلى إسهامات المنظمات العربية والدولية، وفي مقدمتها الألكسو والإيسيسكو واليونسكو، في دعم العربية وتعزيز استخدامها.

وأوضحت أن اعتماد اليونسكو للعربية ضمن لغاتها الرسمية عام 1973 شكّل اعترافًا دوليًا بأهميتها، وأن تخصيص يوم عالمي للاحتفاء بها هو تكريم لدورها التاريخي وناطقِيها الذين يزيد عددهم على 400 مليون نسمة. كما أشارت إلى إدراج شخصيات عُمانية بارزة ضمن برنامج اليونسكو للأحداث والشخصيات المؤثرة، لما قدمته من إسهامات رائدة في اللغة والأدب، إلى جانب نجاح إدراج الخط العربي كتراث إنساني مشترك.

من جانبها، تناولت الدكتورة سناء بنت طاهر الجمالية من جامعة السلطان قابوس دور السياسات اللغوية الحديثة في إعادة تشكيل حضور العربية في مجالات المعرفة والابتكار، مؤكدة أن موقف الأفراد من لغتهم يعد عاملًا حاسمًا في تطورها. وأشارت إلى أن تراجع استخدام الفصحى، وهيمنة اللهجات والمصطلحات الأجنبية، والتعليم بغير العربية في التخصصات العلمية، أسهم في إضعاف حضورها.

ودعت إلى تعزيز دور الإعلام والتقنية في دعم الفصحى من خلال تمكين صانعي المحتوى لغويًا، وإخضاع البرامج للتحرير اللغوي المتخصص، إضافة إلى تبني نهج تشاركي بين المؤسسات الرسمية والتعليمية والثقافية والتقنية لتنفيذ سياسات لغوية شاملة. وأكدت أهمية دور المجامع اللغوية في تطوير المعاجم والأساليب الحديثة التي تلبي متطلبات العصر، وتضمن للعربية مكانتها كلغة علم ومعرفة وإبداع.

زر الذهاب إلى الأعلى