رحل الشنفري وحقول النفط تخلع ربطات العنق

حمود السيابي

حمود بن سالم السيابي
——————————
هذا الرجل من ظفار.
من رائحة دكاكينها العتيقة.
من ألبومات صُوَر الأبيض والأسود المبللة برذاذ الخريف.
من صرير بوابات قصر الحصن تنفتح ذات أصيل لتعطي البشارة لقاطرة النهضة بالتحرك.
جاء ككل الكبار بمؤهلات استرخاص الروح لأجل الوطن وبيرقه ونخيله ونارجيله.
وتكرر حضوره كثيرا في المناسبات الكبرى للوطن لينعجن بصياغاته وأحلامه وأمانيه.
تسلَّم خزائن “الذهب والأسود” فَكرَّسَ حياته للنهوض بالتكليف السامي في أن تكون الوجوه العمانية السمراء هي المعنية بالتحاور مع مكامن الأرض السمراء وكنوزها الغالية.
وأن تتحدث منطقة ميناء الفحل وبقية حقول النفط باتساع صحارينا العمانية ومياهنا الاقتصادية اللغة الانجليزية بلكنة العماني الدارس في جامعات العالم ، لا بلكنة “هيوستن” و”حقول بحر الشمال”.
وأن يتراجع حضور ربطات العنق في أفراح تدفُّق الآبار الجديدة لصالح الأكف التي أكلها الحفَّار ، والوجوه التي زادتها الشمس اسمرارا والعمائم الشامخة التي اتشحت أوسمة الزيوت والدشاديش المرقشة بطين الأعماق فهذا زمنها وعليها أن تصنعه من الألف إلى الياء.
عرفْتُ معالي الشيخ سعيد بن أحمد الشنفري وزير النفط والمعادن الأسبق بحكم الوظيفة بجريدة عمان.
وحاورته كثيرا لسبر استشرافاته للغد ، ولحضور الكفاءات العمانية في مرفق تعتمد عليه عمان لتنهض ، دون أن يشغلني رنين ترديد الحوار في وكالات الأنباء التي تنتظر انتزاعا لمواقف عمانية حول أوبك وأوابك ودعم جهود خفض الانتاج لامتصاص تخمة السوق ، إلا ما اقتضتها الظروف أو تعمّد معاليه مقاربتها لدعم استقرار السوق بما يوازن بين جهد المُنْتِج ومصالح المستهلك ، فلا يموت الذئب ولا تفنى الغنم .
كما لم أستنزف معاليه في الحديث عن الفوارق بين النفوط ومعايير الجودة ، وبين أسعار خام برنت وخام نفط دبي، وبين النفط العربي الخفيف والثقيل ، ونفط بحر الشمال وغرب تكساس.
وكان لي شرف مجالسته طويلا في خيمته بالسيوح السلطانية لنخوض في أمور خارج سياقات التخصص ، مغتنما إنسانيته ونبله في دحرجة المسافات بين موقعه كوزير والموظف الذي يقاسمه قهوة ساخنة في سيح الزمايم البارد.
ويوم ينعي الناعي رحيله فإن حقول النفط في صحارينا الوسعة ستستذكر رجلا كان يشرئبّ بعنقه نحو شعلة النار في رأس البئر بكامل الطموح في رؤية دورة العمل من المسح إلى الاستكشاف إلى التنقيب إلى الانتاج إلى التصدير ، عمانية بامتياز. وقد سار من أتوا بعده سيره ، وبنوا على ما تفدم.
إن معالي الشيخ سعيد بن أحمد الشنفري رجل من عُمان.
وصفحة من سِفْر نهضتها الزاهرة التي تُتْلى.
وإضمامة من أزاهير ألبوماتها الزاهية التي تستعاد.

زر الذهاب إلى الأعلى