السيناتور وغزَّة.. والولد الصَّغير!!

م . طلال القشقري

فِي بدايةِ حربِ غزَّة طلبَ السيناتورُ الأمريكيُّ ليندسي قراهام -فِي لقاءٍ مُتلفزٍ- مِن إسرائيلَ أنْ تُساوِي قطاعَ غزَّة بالأرضِ!.

قالهَا باللغةِ الإنجليزيَّةِ: «Level it down»، ومَا صدَّقتْ إسرائيلُ الخبرَ، ولبَّت الطَّلبَ، وساوَت القطاعَ بالأرضِ، ولمْ يبقَ منهُ سِوَى مدينةِ «رفح» التِي مَا زالتْ شهيَّةُ إسرائيلَ مفتوحةً لمساواتِهَا -هِي الأُخْرَى- بالأرضِ، مثلِ شهيَّةِ الضباعِ التِي تحيطُ بفريستِهَا مِن كلِّ مكانٍ، وتلتهمُهَا حيَّةً لا ميِّتةً، قطعةً قطعةً، ودونَ رحمةٍ!.

والآنَ طلبَ السيناتورُ في لقاءٍ تلفزيونيٍّ آخرَ مِن إسرائيلَ مَا هُو أكثرُ فظاعةً، وهُو إلقاءُ مَا سمَّتهُ أمريكَا قبلَ عقودٍ بالولدِ الصَّغيرِ «Little boy» علَى ما تبقَّى مِن القطاعِ الواقعِ في براثنِ الاحتلالِ والمجاعةِ والإبادةِ الجماعيَّةِ، وهُو القنبلةُ النوويَّةُ التِي يوجدُ المئاتُ منهَا في جُعبةِ إسرائيلَ، ثمَّ استدركَ السيناتورُ، وقالَ: إنَّهُ يقصدُ القنابلَ الخارقةَ للتحصيناتِ الأرضيَّةِ، وما تحتَ الأرضيَّةِ!.

وحُجَّةُ قراهام هِي أنَّ أمريكَا لمْ تتمكَّن مِن إيقافِ الحربِ العالميَّةِ الثَّانيةِ، وانتصارِهَا علَى اليابانِ إلَّا بعدَ تدميرِ مدينتَي هيروشيما وناجازاكي، بولدَينِ صغيرَيْنِ، وأنَّ إلقاءَ ولدٍ صغيرٍ واحدٍ علَى غزَّة سيُوقفُ الحربَ فيهَا، ويَا لهُ من مُبرِّرٍ ليسَ فيهِ أيُّ اكتراثٍ بحياةِ أكثر مِن مليونَي إنسانٍ فلسطينيٍّ، هُم فِي السَّوادِ الأعظمِ مدنيُّونَ، شيوخًا ونساءً وأطفالًا، ولَا ينتمُونَ لحركةِ «حماس»، فضلًا عَن حياةِ آلافٍ من موظَّفِي الإغاثةِ الإنسانيَّةِ والصَّحافةِ مِن مختلفِ الجنسيَّاتِ، فضلًا عَن تأثيرِ القنابلِ النوويَّةِ علَى الدُّولِ القريبةِ، وَلَو كانتْ هناكَ رغبةٌ إسرائيليَّةٌ وأمريكيَّةٌ للسَّلامِ، وإيقافِ الحروبِ المتكرِّرةِ فِي المنطقةِ، فالسبيلُ واضحٌ ومعروفٌ، وهُو حلُّ الدَّولتَينِ، وإقامةُ الدَّولةِ الفلسطينيَّةِ المستقلَّةِ، وعاصمتهَا القدسُ الشرقيَّةُ، وهُو مَا نادتْ بهِ المملكةُ كثيرًا، وسعتْ إليهِ في الماضِي والحاضِرِ، فلَا تفريطَ البتَّة بالقضيَّةِ الفلسطينيَّةِ العادلِةِ، بلْ جهودٌ سعوديَّةٌ مُخلِصةٌ ومُباركةٌ وأتمنَّى لهَا النَّجاحَ.

والسؤال المطروح حالياً هو: ماذا لو لبت إسرائيل طلب السيناتور؟، لا سيما مع وجود حكومة إسرائيلية -بقيادة نتنياهو، وبن غفير، وسموتريتش- هي الأكثر تشدداً في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مر العصور والدهور؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى