قصَّة غشٍّ في جامعة البترول..!!

م . طلال القشقري

أعتقدُ أنَّني كُنْتُ فردًا ضمنَ أفشلِ قصَّةِ غشٍّ جماعيٍّ حصلتْ في امتحاناتِ المرحلةِ الجامعيَّةِ الدراسيَّةِ، ربَّمَا فِي العالِمِ بأسرِهِ!.

كانَ هذَا فِي جامعةِ الملكِ فهد للبترولِ والمعادنِ (KFUPM) فِي مدينةِ الظَّهران بالمنطقةِ الشرقيَّةِ، ولنْ أحدِّدَ تاريخَ حصولِ القصَّةِ لظروفٍ تخصُّ معشرَ الرِّجالِ الذِينَ أصبحُوا مثلَ معشرِ النِّساءِ يكتمُونَ أعمارَهُم الحقيقيَّةَ!.

وكانتِ الجامعةُ تسمحُ لأساتذتِهَا بطرحِ أسئلةِ الامتحاناتِ لموادِّهِم الدِّراسيَّةِ بالطريقةِ الأمريكيَّةِ القديمةِ، وهِي أسئلةٌ وعدَّة اختياراتٍ جوابيَّةٍ لكلِّ سؤالٍ، أوَ مَا يُعرفُ باللُّغةِ الإنجليزيَّةِ (Multible choices)، خصوصًا للموادِّ التِي تكثُر فيهَا الأرقامُ، والطَّريقةُ ليستْ سهلةً؛ لأنَّ الاختياراتِ قدْ تكونُ إجاباتٍ لأجزاءَ من الأسئلةِ وليستْ الإجابات النهائيَّة، أو مشفوعةً مع وحداتٍ قياسيَّةٍ مختلفةٍ مثل السنتيمترِ أو البوصةِ، فيتسرَّعُ الطُلَّابُ ويكتبُونَ الإجاباتِ الخاطئةِ، ثمَّ يرسبُونَ، فضلًا عَن غيابِ الحلولِ الوسطِ في الاختياراتِ فإمَّا أنْ يرسوَ الطُلَّابُ علَى الاختياراتِ الصحيحةِ أو الخاطئةِ، يعنِي يَا أبيض يَا أسود، وليسَ هناكَ رماديٌّ!.

وكانتْ هناكَ مادَّةُ الفيزياءِ الصَّعبةُ، وأستاذهَا أمريكيٌّ ماكرٌ، وقدْ وزَّعَ علينَا أسئلةَ الامتحانِ وانزوَى فِي ركنٍ يقرأُ إحدَى رواياتِ أجاثا كريستي، ولمْ يكترثْ بمراقبتِنَا؛ كَي لا نغشَّ، بلْ إنَّه غادرَ مكانَ الامتحانِ لدقائقَ لإحضارِ قهوتِهِ، وكُنَّا درزنًا مِن الطُلَّابِ، فلمَّا رأينَا انشغالَهُ عنَّا بدأنَا نُغشِّشُ بعضنَا بعضًا، بالإشارةِ مثلًا بأنَّ السُّؤالَ الخامسَ جوابُهُ هُو الاختيارُ الثَّالثُ، وهكذَا. حتَّى انتهتْ ساعةُ الامتحانِ، وسلَّمنَا أوراقَنَا سعيدِينَ وفرحِينَ!.

وفِي اليومِ التَّالِي أتانَا الأستاذُ وهُو يبتسمُ ابتسامةً خبيثةً كمَن اكتشفَ سرًّا مِن أسرارِ الكونِ الغامضةِ، وأخبرنَا أنَّ اثنَينِ فقطْ منَّا قدْ نجحَا، بينمَا رسبَ العشرةُ الباقُونَ وأنَا منهُم؛ بسببِ فشلِنَا فِي الغشِّ؛ لأنَّهُ وإِنْ كانَ قدْ رتَّب الأسئلةَ ترتيبًا واحدًا في الأوراقِ، لكنَّه جعلَ ترتيبَ اختياراتِ الأجوبةِ مختلفًا بينَ أوراقِ امتحانِ كلِّ طالبٍ، معَ تغييرٍ بسيطٍ فِي الأرقامِ المذكورةِ فِي الأسئلةِ!.

وهكذَا فَقَدَ غشَّشْنَا بعضُنَا بعضًا بشكلٍ خاطئٍ، ولوْ اعتمدنَا علَى قدراتِنَا الذَّاتيَّةِ لكانتْ نتائجُنَا أفضلَ، ولأصبنَا النَّجاحَ، ومَضَت السُّنونُ، وتخرَّجتُ وتوظَّفْتُ وتقاعدتُ، ومَا زالَ الغشُّ إِنْ حصلَ فِي كلِّ نواحِي الحياةِ لأيِّ إنسانٍ هُو قصَّةُ فشلٍ ذريعٍ، وليسَ قصَّةَ نجاحٍ تُروَى للأجيالِ!.

زر الذهاب إلى الأعلى