إكسير الجمال

سهوب بغدادي

فيما يسعى الأغلبية في عصرنا الحالي إلى الجمال والاستزادة منه بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة على حد سواء، ابتداءً من الخلطات والوصفات التقليدية والمنزلية وصولًا إلى الإجراءات البسيطة و عمليات التجميل، حيث يشكل التعرض المتواتر للفضاء الإلكتروني بما فيه من محتويات نقطةً فارقةً في حياة الفرد، فيقع البعض في براثن المقارنات ويطمح البعض الآخر إلى التوصل لما تحصل عليه غيره من قبول وشعبية وغنى تباعًا، إن أكثر الدعايات المتواجدة تمت إلى صورة الجسد بشكل مباشر أو غير مباشر لتضع بذلك معايير عابرة للقارات عن الشكل واللون والهيئة المطلوبة والتي يجب التوصل إليها؛ لتغدو الحياة مفعمة بالسعادة، بغض النظر عن انحياز أو “امتياز الجمال”، كما فصّلت الحديث عنه في مقال سابق على صحيفة الجزيرة بعنوان “انحياز الجمال” بتاريخ 27أكتوبر 2023 بمعنى أن الشخص الجميل يحظى بامتيازات وتعامل مختلف عن أقرانه دون تقديمه أي شيء يذكر في ذلك الموضع، على سبيل المثال حصول الجميل على إطلالة أفضل في مطعم أو التعامل معه بلطف جلي، وقس على هذه الأمثلة، إنّ ما يهم في مقال اليوم هو أن البعض يبحث جاهدًا ويسعى خلف الجمال الخارجي، دون إعطاء ذات القيمة لنوع آخر مستتر من الجمال، الذي بدوره قد يساهم في رفع قيمة الشخص بشكل كبير، بحسب المختص في علم النفس الإكلينيكي الدكتور “توماس سميثيمان” أن هناك عدد من العوامل التي يمكنها التأثير على تقييم الشخص لجمال شخص آخر، منها عوامل خارجية تتعلق بالمحيط، كالمكان الذي عقد فيه اللقاء، إذا ماكان مناسبًا ومرتبًا، و نوع الإضاءة والرائحة وما إلى ذلك من الأمور المتداخلة في حكم الشخص على مايحويه المكان من الأشياء والأشخاص، كما ذكر أن الباحثين خلصوا في دراسة إلى أن الحكم على جمال الشخص قد يتأثر بشكل مباشر بالمزايا والصفات الشخصية، إذ عرضوا على مجموعة بعض الصور لأشخاص يتسمون بالجمال بالمعايير العصرية، فكان تقييم من خضع للتجربة إيجابيًا ووصفوا الأشخاص في الصور بأجمل الأوصاف، وفي كرّة أخرى قاموا بعرض ذات الصور مع تقديم وصف مختصر عن شخصية صاحب الصورة، على سبيل المثال: عصبي وصارم في التعامل، وقام بإيجاد محفظة مليئة بالنقود، فأعادها إلى مكانها إلا أنه أخذ مابها من محتويات، كانت المفاجأة أن تقييم ذات الأشخاص اتسم بالسلبية في هذه المرة، نظرًا لارتباط السمات والمزايا الشخصية والأخلاقية بالشكل والصورة الخارجية، لذا تتردد عبارة “يازينه وهو ساكت” وقد قالها الحكيم سقراط “تكلم حتى أراك” فيما يتجه العالم في موجة حديثة إلى الاستزادة من التوهج النفسي Psychological “mental” glow up أي عن طريق البحث عن سُبل الجمال الداخلية التي تنعكس على الفرد داخليًا و خارجيًا وتؤثر على طريقة استقبال الآخرين لماهيتك، وأترك لكم الإبحار في طرق تعزيز هذه الجوانب عبر المحتويات المتاحة على الإنترنت، كما أشار “سميثيمان” إلى أن الجمال واللطف يُستقبلان في ذات المنطقة في الدماغ، لذا قد تفسر ظاهرة الجمال مقابل اللطف والأخلاق الحسنة، فالجمال أمر جميل إلا أنه أجمل في حال اقترانه بالأخلاق والصفات الداخلية الراقية، ختامًا، أتمنى أن يكون مقالي هذا دعوة لتعميم مبدأ “اللطف الجميل” والتوهج النفسي، كإكسير للجمال الدائم، جمّل الله أيامنا وإياكم بالطاعة والإحسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى