الشيخ أحمد السالمي و”الموت الذي يوجِعُ الأحياء”
—————————
حمود بن سالم السيابي
——————————
بعض الوفيات موجعة لأهلها وبعضها موجعة لأهلها ولمن يعرفها. وبعضها موجعة لأهلها ولمن يعرفها وللتاريخ. وأحسب أن الشيخ أحمد بن محمد السالمي ممَّن يوجع بموته الأهل والمعارف والوطن والتاريخ. وممن يموت بموته خلقٌ كثير. واسم هذا الشامخ السالمي لا يجيء وحده ، بل يجيء على الدوام مخفوراً باسم جده الرضي نور الدين السالمي وبأبيه شيبة الحمد. ولا تستعاد سيرة فرد من أفراد البيت السالمي إلا ويتدافع القرن العشرون ومعه نونية أبي مسلم والنفير إلى مسجد “الشرع” بتنوف والأيادي المبايعة للإمام سالم ثم استشهاد الرضي السالمي في قرية “بني صبح” ساعة تسابقتْ أغصان “الأمباء” لاغتنام لحظة فارقة لن تتكرر بتقبيل عمامةٍ ببياض السحاب. وبموت فرد من أفراد البيت السالمي لا بد وأن تدور “بَكَرَاتُ” الفيلم العماني الطويل لواحدة من أزهى ملاحم الوطن ، وقد أُسْنِدَتْ البطولة لأحد فلتتات الزمن العماني فغَالَبَ الظلام في قرية “الحوقين” وغَلَبَ وانتصر. وتأبط “بخشة” كتبه وتيمَّم شطر “بيت القرن” بالرستاق ليحترب مع اليأس فيراكم الانتصارات. ويصر البطل على دخول موسوعة القياسات العمانية ليسجل حضوره في ولاية بدية وقد طاول الكبار كتفاً بكتف ليقرّ الجميع له بالأسبقية والأعلمية. وتتكرر المشاهد في ولاية القابل مع تصاعد الملحمة التاريخية وبلوغها الذروة بالزحف نحو نزوى لتُمْتَشَقَ السيوف في “مسجد الشرع” ولا تُغْمَد إلا عند أعالي الضفة الشرقية لوادي تنوف ، فقد انتهى البطل التكليف و”يا موت فَزُرْ”. ولعلها ليست صدفة أن التقي الشيخ أحمد بن محمد السالمي في ولاية بدية الشامخة صحبة الشيخين الأثيل سعيد بن سالم النعماني وأحمد بن محمد الرحبي ونحن ننهي تطوافا بمكتبة جده لنرى عصاه المحفوظة بالمكتبة والتي لم يتوكأ بها ليمشي بل توكأ بها الزمن العماني ليجاريه في الوقوف بثبات ويماشيه في السَّيْر بكل ثقة. وطافت أعيننا بنفائس مؤلفاته التي استضاءت بها عمان نهجاً ومنهجا ، ونافست بها مدارس الإسلام وفاخرتْ بوجود مرجع عماني بمرتبة الكبار الكبار الكبار من طبقات علماء الإسلام. يومها تحدث الشيخ أبو أنور السالمي عن الأمس كما عاشه ، والأمس الأبعد كما تجلى في كتاب “نهضة الأعيان” وكتاب “عمان تاريخ يتكلم” والأمس الأبعد الأبعد كما استضاء ببصر وبصيرة نور الدين. وكان الشيخ أحمد السالمي ككل الذرية السالمية هم المكتبة الناطقة لجدهم ، والبقية الباقية للأسلاف. وحين يرحل أبو أنور فلا بد للتاريخ من أن يتوجَّع وينزف وينكأ ألف جرح وجرح. ولأنَّ الحياة من سننها التداول فقد سلَّم الشيخ أحمد السالمي الراية تقيا كالأسلاف ، نقيا كالآباء لذلك نحسب هذا النموذج من الوفيات ممَّن يوجعون بموتهم الأهل والمعارف والوطن والتاريخ. وممن يموت بموتهم خلق كثير. ——————————