حرب من طرف واحد
سهوب ببغدادي
يما تعرف الحرب بالنزاع القائم بين طرفين أو أكثر بشكل معلن أو غير معلن على حد سواء، فهناك أنواع عديدة من الحروب على مر الأزمنة اختلف مداها باتساع وتمدد إطار الخلاف وتنوع مسبباته وأبعاده وأطرافه، فكلما ازدادت المسببات والمتداخلات تعاظمت الهوة وأصبح من الصعب سدها، لذا تمتد بعض الحروب إلى حقب وأزمنة، وتندلع أخرى بعد ركودها هنيهًا بشرارة بعيدة، في سياق متصل، أقدم لكم اليوم وجهًا آخرَ للحروب الفريدة من نوعها، إن هناك حربًا من طرف واحد! فكيف تنشب؟ وما تبعاتها وتداعياتها الداخلية على المدى القريب والبعيد؟ وماهي؟ بالحديث عن الأخيرة، فإنها الحرب مع الذات والنفس التي تواجهها بشكل يومي ولحظي، ويأتي ذلك في مواطن لا حصر لها، في حقيقة القول، إن الحرب مع الذات قد تتطور إلى “حرب الذات” عند انتصار نفسك عليك بشكل مؤسف، فكلنا نحارب أنفسنا شئنا أم أبينا، من أبسط المواقف لأكثرها ثقلًا، من التعود على فنجان قهوتك المر وصولًا إلى ضبط النفس، فتنازع نفسك على الصمت وقت الغضب، والتحكم بمشاعرك والانفعالات، من ناحية أخرى، نحارب النفس وهواها من الهفوات وحديث النفس، ونحارب ألف مرة ضد العادات السيئة التي نعي يقينًا أنها مضرة إلا أننا لا نتوقف عن تكرارها، كما نحارب أنفسنا من الغيبة والنميمة والظن السيء، بالإضافة إلى آفة العصر، محاربة النفس ضد تسطيحها، فيما يعاني البعض من الحرب الباردة أو المعلنة ضد الزمن إما بالمسارعة في الإنجازات وتحقيق مالم يُحقق من الحصول على أعلى الشهادات والمناصب وغيرها، ناسيًا أو متناسيًا بذلك ذاته ومن حوله، أيضًا، قد تكون الحرب ضد الزمن بالخوف من التقدم في السن، لذا نشهد تأجج العيادات التجميلية بالوافدين والوافدات بشكل مستمر، ونرى هوس العمليات التجميلية، بل إن أكثر الإجراءات شيوعًا تُعنوَن باسم “محاربة التقدم في السن”! إن الحرب مع الذات حاصلة لا محالة، إلا أن حرب الذات وهدمها من الداخل أمر مؤسف ومهول، ففي حال تغلبت نفسك عليك ستدخل مع أطراف خارجية في تلك الحروب، من الأشخاص والأشياء والمواقف والزمن، وتتنوع في كل واحدة المعطيات والمتداخلات وتبعاتها، وأنت تقف بعيدًا وحيدًا أمام وطأتها.إن مابين الحرب والحب حرف واحد، وقد يتجلى وينبثق كلاهما من وفي الآخر، قد نجد الحرب في الحب ونلقى الحب في الحرب، وكلاهما يحتملان أن يكونا من طرف واحد، وتكمن عندها الصعوبة والاستماتة لنشوب ووقوع الصراع الداخلي، في الحياة، هناك بعض الحروب التي يتحتم عليك خوضها وحيدًا، وبعضها الآخر يستلزم عدم خوضها من الأساس.”الانتصار على النفس هو أعظم انتصار” – أفلاطون.سهوب بغدادي