حلوة عُمان..
د يوسف الشريف
كاتب ومحامي اماراتي
حين تطأ قدماك عُمان، لا تدخل مجرد بلدٍ جديد، بل تدخل حكايةً نسجتها الطبيعة بإتقان، وحفظتها القلوب على مر العصور. مشاركتي في مؤتمر “الشرق الأوسط للاتصالات الاستراتيجية الثاني عشر 2024” الذي احتضنته عُمان لم تكن مجرد مناسبة مهنية عابرة، بل كانت نافذةً تطل على قلب هذه الأرض التي تجمع الأصالة بجلالها مع الحاضر بوعوده وتطلعاته. وجدتني بين نخبةٍ من الإعلاميين والصحفيين، نناقش قضايا الإعلام العربي ودوره في قيادة مجتمعاتنا نحو غدٍ أكثر إشراقاً، وفي الوقت ذاته، كانت عُمان، بما تقدمه من جمالٍ مادي ومعنوي، حاضرةً بين سطور كل حديث.
عُمان ليست وجهةً تنقل فيها نظرك فحسب، بل هي بلدٌ تُفتح له حواسك كلها. من جبالها التي تبدو كقصائد شامخة، إلى وديانها التي تسري فيها المياه كأنها أحلام متحققة، ومن شواطئها التي تستلقي على حضن البحر في هدوءٍ، إلى قلاعها التي تروي قصص المجد بعزفٍ صامت. كما قال عنها أحد الرحالة القدامى: “هذه الأرض ليست مجرد جغرافيا، بل هي ذاكرة تتحدث بلسان الجمال”.
كل ركنٍ في عُمان يأسرك بخصوصيته. الصحراء هناك ليست فراغاً، بل مسرحٌ يحكي عن صمتٍ ملهم ونجومٍ تُشعل خيال الزائر. وفي الأسواق القديمة، كأنك تدخل دهاليز الزمن، تستنشق عبق اللبان وتلمس أنامل الحرفيين الذين يحفظون أسرار التراث في تفاصيل صغيرة. ومع ذلك، فإن هذا الجمال، وإن كان براقاً، يحتاج إلى يد الإعلام لتلمع أكثر، وإلى خططٍ مدروسة لتُترجم الطبيعة إلى اقتصاد، والأصالة إلى فرصة.
السياحة في عُمان، رغم أهميتها، تحتاج إلى أن تُستهدف بأفقٍ أبعد. فالسائح الذي يأتي من الخارج لا يجلب حقائبه فقط، بل يجلب معه عملةً تحرك الأسواق، وأفكاراً تربط الشعوب، وتجارب تعود معه لتُروى في بلاده فتكون دعايةً مستدامة. لا يمكن نسيان كلمات وليام بليك حين قال: “السفر إلى مكان جميل يضيف عمراً إلى روح الإنسان”، وهكذا هي عُمان، مقصدٌ يضيف للعالم جمالًا ودهشة.
يمكن لعُمان أن تُعيد صياغة صورتها على خريطة السياحة العالمية من خلال الترويج لتجاربها الفريدة؛ كالتخييم تحت سماءٍ مرصعةٍ بالنجوم في صحراء الربع الخالي، أو الغوص في أعماق بحرها الزاخر بالحياة البحرية، أو حتى اكتشاف أسرار جبال الحجر التي تحمل بين طياتها صدى أزمانٍ بعيدة. تحتاج عُمان إلى أن تكون وجهةً مُلهمة لمن يبحث عن جمالٍ نادر وراحةٍ غير متكلفة، وأن تستخدم الإعلام كجسرٍ يعبر عليه العالم نحوها.
عُمان، بما تحمله من جمالٍ خفي ومعلن، تستحق أن تكون وجهةً تُحكى عنها الحكايات. هي وطنٌ يتحدث بلغة العالم دون أن يتخلى عن هويته. هي دعوةٌ مفتوحة للجميع، لكنها تحتاج إلى صوتٍ يصدح بها في أرجاء الدنيا، صوتٍ يجعل من كل زائرٍ شاهدًا على سحرها الذي لا يُقاوم.
د/ يوسف الشريف
محامٍ وكاتب إعلامي
twitter.com/dryalsharif