اقتراح حول إعادة إعمار غزة..!

م . طلال القشقري

ألقى كيان الاحتلال الإسرائيلي على غزَّة -خلال ٤٧١ يومًا من الحرب- قنابلَ ربَّما تُعادلُ في مجموعها بضعة قنابل نوويَّة مُشابهةً للقنبلتَين النوويتَيْن اللتَيْن ألقتهمَا أمريكا على مدينتَي هيروشيمَا وناجازاكَي اليابانيتَيْن، في الحرب العالميَّة الثَّانية، وسمَّتهُمَا بالولد الصَّغير (Small Boy)، وما أظرفه من ولدٍ صغيرٍ!.

ودمَّر الكيانُ ما نسبته ٧٠٪ إلى ٨٠٪ من مرافق غزَّة المبنيَّة من مادَّة الخرسانة المُسلَّحة (أسمنت + رمل + حديد)، التي إذا تصلَّبت بعد تفاعل مُكوِّناتها كيميائيًّا مع الماء، وانهارت على رؤوس البشر؛ جرَّاء القصف تجعلهم أشلاءَ وتقتلهُم على الفور؛ بسبب ثقلِهَا وتحجُّرِها، وهذا ما زادَ من نسبة مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيِّين الأشقَّاء، لاسيَّما المدنيِّين من نساء وأطفال وشيوخ، ممَّن لا حولَ لهم ولا قوَّة، وعساهم يكونون من الشهداء عند ربِّهم الرَّحيم.

ويدورُ الحديثُ -الآنَ- حولَ إعادة إعمار غزَّة، وليته يحصل، فهو من أوجبِ واجباتِ الإنسانيَّة، لكن بوجود الكيان، وإدمانه على القصفِ بما يملكه من سلاح جوِّيٍّ فتَّاكٍ، ومُسخِّر له على طبق من ذهب من الغرب الدَّاعم له، وعلى رأسه أمريكا، وكذلك رفْضه حلَّ الدولتَين، وإقامة السَّلام العادل والدَّائم، فمن المستحيل عدم تكرار الحرب، وقصف غزَّة من جديد؛ حتَّى لو أُعِيد إعمارُها، وتتكرَّر المآسي!.

وإعادة إعمار غزَّة فيما لو تقرَّرت من الدُّول المؤثِّرة، ومع عدم حلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة، هي عبثٌ إذا هُندِسَت بنفس مادَّة الخرسانة المُسلَّحة، وإنشاء الأبراج المرتفعة التي يتلذَّذُ الكيانُ بتدميرها، كما يتلذَّذ مصَّاصو الدِّماء في رومانيا خلال القرن الماضي بمصِّ دماء ضحاياهم، ما لم تكن إعادة الإعمار لكلِّ المرافق من طابق واحد فقط، ومن مواد خفيفة غير الخرسانة المسلَّحة، مثل مواد ألواح الأسمنت الرقيقة، والأسقف الخفيفة، أو حتَّى البيوت الجاهزة المصنوعة من المعادن الخفيفة، بدليل أنَّ الكيان نفسه اختار المواد الخفيفة لبناء العديد من مُستوطناته داخل فلسطين؛ بسبب اعتباره للمُستوطنات مواقعَ مُعرَّضة للخطر، ومن باب وقايتها وتسهيل نقلها من مكانٍ لآخرَ، أمَّا لو قيل إنَّ إعادة إعمار غزَّة هكذا ستكون مؤقَّتة، فالمؤقَّتُ الذي يُقلِّل بعض الخطر خيرٌ من الدَّائم الذي فيه كلُّ الخطر، إلى أنْ يقضيَ اللهُ بأمرِهِ علَى عدوٍّ صهيونيٍّ لا يفترُ من إفسادِ الأراضي العربيَّة؛ وِفْقَ عقيدةٍ تلموديَّةٍ وتوسُّعيَّةٍ، هي الأخطرُ في التَّاريخ العربيِّ الحديث.

talalmalgashgari@gmail.com

@T_algashgari

زر الذهاب إلى الأعلى